مريم بنت عيسى البلوشية
في ممرات الحياة تسرقنا بعض اللحظات الكئيبة، تبُعثر أحلامنا وتُمزق ما تبقى فينا من أمل بلا رحمة أو كلمة، فتضيق بنا الدنيا وكأنما وُضِعْنا في صندوق حجري مظلم نشعرُ فيه بالاختناق، وتكبتنا جدرانهُ الأسمنتية ونُصبح عالقين لا نستطيع التحرك أو التنفس أو الحديث، حتى تلك الدمعةُ البائسة تعسرت ولادتها التي دائماً ما كانت تنهال على سواقي خدودنا المحترقة بلهيب الحزن.
تمنيتُ حينها أن يكون هناك ثقبٌ أسود بإمكانه امتصاصُ طاقاتنا السلبية ولحظاتنا الكارثيّة وجميع الوساوسِ الشيطانية، فحينما تنزلق أقدامُ أحلامكَ بقشرة الفشل؛ إذهب إلى ثقبك الأسود ليجذب قشور الفشل التي أوْدت بأطفالِ طموحاتك لساحة الدمار، ويبتلعها قشرةً قشرة، وينفثها إليك كزهورٍ جميلة تحمل عبيرَ تجارب مرّت لم تضر، بل منّا أبطالاً صنعت، وحينما يُهاجمك الاشتياق فينهش ما تبقى فيكَ من ذكريات، أرسل اشتياقك في رحلة عبر الثقب الأسود ليعود بلا ذاكرة خالياً من الأحاسيس، أليف، بأحاسيسك ومشاعرك مُراعٍ ولطيف.
وتعيش في بعض أيامك مغطى بكومةٍ من الضغوطات النفسية يؤازرها ثقل العمل وأعمال المنزل؛ فتشعر أنك قد غرقتَ في بئرٍ عميق لا تعرف كيف تخرج منه وكيف ترفع رأسك للسطح لتشعر أنك حيٌ تُرزق، حينها؛ اذهب للثقب الأسود واركل كرة الضغوطات تلك بكل قوة لداخله ولا تتهاون أبداً مهما كلفك الأمر، فأنت تستحق أن تفرح بالنصر.
وقد يغتالك الزمن في صديقٍ أو قريب فيرحل من هذه الدنيا دون أن يودعك، وتبقى أنت مشلولاً في مكانك، مصدوماً بالحدث، تحاول ترتيب نفسك واستعادة رباطة جأشك؛ إلا أنك غير قادرٍ على الفرار من دوامة القدر والاختيار، فتتوارى عن الأنظار وهالات السهرِ تملأ أفكارك، والتخيلات ملأت فكرك حد الانهيار؛ فما عليك إلا بالثقب الأسود ينتشلك من الضياع ويرسم لك فجراً لماع.
ويحكون خلف ظهرك، يزفونك بين أحاديثهم الملطخة بدمائك، ووضاعتهم في كل يوم تزداد، تراهم أمامك كالسكر وهو كالحنضل مرارة وأمر، تراهم يُجسدون النفاق في أبهى حلله الفضيعة، ويأكلون لحمك، ويصابون بالتخمة، وما زالوا في كيدهم يبدعون، فلا تُتعب نفسك بالتفكير؛ فهم سيظلون خلف ظهركَ في هذا العالم الكبير، وستظل تقتلهم بتقدمك ونجاحاتك، وارمهم جميعهم في الثقب الأسود ليتعفنوا بأخلاقهم المُتهالكة هناك، وستدور الدائرة عليهم يوماً ما ليتذوقوا طعم وقاحتهم في أقداحٍ من البُؤس.
كم هو جميل أن تكون أيها الثقب الأسود حقيقياً؛ فلكانت حياتنا مثالية، وستُسجن جميع أنواع البشاعةِ فيك، فلا ترحم الدنيئين ولا السيئين ولا من على حياتنا يتطفلون، سيكون العالم من حولنا وردياً خالياً من الهموم والأحزان، وستنهمر علينا من الفرح أطنانٌ وأطنان، هل يمكن لعصاةٍ سحرية أن تجعل منك واقعاً ملموس ومكاناً محسوساً؟
ليت جميع ما نتمناه وما نكتبه قابلٌ للتحقيق.
فلنصنع لأنفسنا ثُقباً أسود نضع فيه كل ما يُؤلمنا ونُغلقهُ بإحكام، ونرمي بمفتاحه في وسط البحر، ولنجعل كل من في ذاك الثُقب عبرة وتجربة وخبرة نتعلمُ منهم وبهم، نبني حياة جديدة ونصنع لقصتنا نهايةً سعيدة.
