من خفايا الذاكرة (دروس في تحفيظ القرآن الكريم)
حميد أبو شفيق الكناني
كاتب إيراني حافظ القرآن الكريم ونهج البلاغة والمعلقات السبع.
الملاحظ أني في الليالي السابقة لم أتعرض إلى أساليب الحفظ، أي لم أطرح ولم أشرح كل ما هو مقروء ومسموع ومتوفر على مواقع التواصل الاجتماعي؛ لأنه متوفر وفي متناول الأيدي.
لهذا أسعى إلى ذكر العوامل النفسية والاجتماعية المؤثرة في تطوير الحفظ وتنشيط الذاكرة وتفعيلها.
أما الحديث عن تقسيمات الجزء إلى صفحات وتقسيم الصفحة إلى آيات وتقسيم الآية إلى علامات؛ فهذا متوفر في كتب وكراسات كثيرة أُلِفت في أساليب حفظ القرآن الكريم، وخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي أو الفضاء الافتراضي، ولا أنسى أن أعطف وأعود على هذه المباحث في وقت مناسب، فلكل مقام مقال.
لقد كثرت مصادر أساليب حفظ القرآن الكريم، وعلى الحافظ أن يختار المصادر الأولى بالقراءة والمطالعة، وإن كان هذا الخطاب للناس عامة، أما هذه المجموعة الموقرة (طلاب صف التحفيظ) التي اجتمعت على مائدة القرآن الكريم ف (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)- سورة الكهف الآية ١٣.
لأنهم قطعوا أشواطاً في هذا المضمار وكسبوا تجارب كبيرة وخبرات عالية، ومع ذلك كله غالباً ما تخون الذاكرة صاحبها، فعلى الحافظ دائماً وأبداً الإعداد والإستعداد والجد والجهد والاجتهاد، وأن سعيه سوف يرى.
وأما هدفي الآخر من توسيع رقعة أساليب تحفيظ القرآن الكريم والتفنن في تفرعها وتنوعها، فهو النظر إلى المستقبل بأن هؤلاء التلامذة سيكونون أساتذة، فبينما هم مشغولون اليوم في الحفظ، فهم غداً سيحملون مهمة التحفيظ وخيركم من تعلم القرآن وعلمه، إذن يا أيها الحافظ؛ (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا)- سورة المزمل الآية ٥.
عوداً على بدأ؛
ذكرت سلفاً أن الفن وليد الوحدة، وكيف تساعد العزلة الحافظ على التركيز والتمييز، وتوفر له الوقت الكافي للحفظ و المحافظة، ويبقى الخطاب للناس عامة وبصورة كلية، أما الخواص فبإمكانهم الاستغناء عن العزلة إذا اجتمعوا في مقام خاص لهدف خاص؛ حيث يمكن للحافظ أن يجد الضالة المنشودة إذا حظى بالفئة التي تبادله نفس الهدف وذات الشعور، فليس المهم أين تكون بل مع من تكون، وأن يفهمك أحدهم أولى وأهم من أن يحبك، ولعلَّ في ملتقى الحفظة الحلقة المفقودة أو الضالة المنشودة، سواء كان هذا الملتقى في معهد أو مؤسسة أو جمعية قرآنية.
و “المرء مع من أحب”
فاختر نزلاء قلبك بدقة.
وتأتي الحاجة إلى هذا الوئام والانسجام في برنامج المراجعة والتسميع، ولن أخوض في هذه النقطة لأن هذا الموضوع مطروح و مشروح ومتوفر.
ولكن لنعلم أن النسبة في التقدم والتأخر بين الحفظة أمر طبيعي، فمنهم من يحفظ الصفحة إلا قليلاً ومنهم من يحفظ الصفحة أو يزيد، فمن تقدم في يومين رابح وسابق، ومن تأخر في يومين ناجح ولاحق.
فليس الحافظة ولا الحافظ في مسيرتهم
“فرسا رهان، ولا رضيعا لبان”؛ ف”كل من سار على الدرب وصل”