مصيرة تودع صاحب الخلق الرفيع
راشد بن حميد الراشدي
إعلامي وعضو جمعية
الصحفيين العمانية
ودّعت ولاية مصيرة الأسبوع الماضي أحد أبنائها الكرام، ورائد من روّاد التجارة فيها، والذين أسهموا في تنميتها منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، فهو من أوائل من مارسوا التجارة وشقّوا عُباب البحر والفيافي والقفار، مرتحلين في طرق ومسالك وعرة، من أجل استيراد البضائع إلى ولاية مصيرة، مروراً بولاية محوت، وكانت الظروف في ذلك الزمن صعبة جداً على قاطني الولاية في الحصول على المؤونة اليومية لهم داخل الولاية، إلا أن إرادة الحياة سخّرت الوالد محمد بن علي الحميدي المشهور – براعي جطية – ورفقاء دربه من الوصول إلى ولاية سناو ومحافظة مسقط وحتى إمارة دبي لشراء بضائعهم، حيث كانت معظمها من المواد الغذائية وأدوات الصيد التي تحتاجها ولاية مصيرة خلال تلك الفترة.
ومع مطلع سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، توسعت تجارتهم، حيث اشتهروا بالكرم والسماحة في تعاملاتهم وبأخلاقهم العالية الرفيعة، حيث طافت سمعتهم إلى أسماع القاصي والداني من أبناء الولاية والولايات الأخرى.
كان والدي والوالد محمد رحمهما الله إخوة في الله، متحابّين فيه، وقد نشأت تلك العلاقة من خلال التبادلات التجارية التي جمعتهما خلال فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، حيث كان الوالد محمد يشتري من محلات أعمامي ووالدي الكائنة في سوق سناو معظم بضائعه، وكنت صغيراً شاهداً على تلك الحقبة الجميلة من سنوات عمري، حيث كان يقيم كل من يشتري ويتعامل مع أهلي في بيت العائلة، وكان المجلس عامراً بالضيوف كل يوم.
كان الوالد محمد لطيفاً مع الصغار، يداعبنا بكلمات لطيفة ويسأل عن الكبير والصغير، كبرنا وكبرت ذكرياتهم ومواقفهم الجميلة في قلوبنا ونحن نحمل الخبر لهم طوال تلك الأعوام.
منذ سنوات ذهبتُ إلى ولاية مصيرة سائلاً عنه، زائراً له، فوجدت ابنه سعيد وهو خير خلف لخير سلف، ثم التقيته في اليوم التالي، وحنين السنين يحملني إلى تلك الأيام السعيدة التي كان يزورنا فيها وهو قادم للتسوق من سوق سناو، وكانت شاحنته البيضاء المحملة بالبضائع المتجهه إلى ولاية مصيرة معروفة لدى معظم سكان المنطقة.
اليوم نودّع الوالد محمد بن علي الحميدي، وتودّعه ولاية مصيرة بأسرها تودّع أياديه البيضاء الكريمة، كما نودّع خُلقه النبيل ومآثره التي زرعها في نفوس جميع محبيه، ولا نقول إلا كما يقول الصالحون (إنا لله وإنا إليه راجعون) ورحمة الله تغشى المؤمنين، وعزاؤنا اليوم في أسرته الكريمة وأولاده الصالحين: سعيد وخالد وراشد، وفي سيرتهم العطرة ونهج والدهم الكريم.
فلا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم، فقد رحل صاحب الخُلق الرفيع.