سلطنة عُمان تحتفل بالعيد الوطني الرابع والخمسين المجيد المجيد
Adsense
مقالات صحفية

رسائل إلى غائب

تهى العبرية

والدي العزيز :
يا سيّد الدار من بعدكَ الدارُ خاويةٌ، لم أعلم أنّه كان الوداع الحزين، والحضن الوحيد، والقُبلة الأخيرة.

والدي العزيز:

مازالت الصورة العالقة في ذهني أنّي سألقاك في البيت تستقبلنا عند الباب فرحاً وشوقاً رغم عناءك… طيفكَ مازال يُطاردني، ثغركَ الباسم يلوّح في أذهاننا، ما زلتُ أبحث عنكَ في البيت في كل زيارة، صورتكَ رُسمت في كل زاوية وصوتك يترددُ في كل رُكن، مازالت بحّةُ صوتكَ تنخرُ أنفاس جعبتي بلقبي المتعارف عليه في البيت والذي تعوّد مسمعي عليه في كل اتصال ولقاء.

والدي العزيز:

ما زِلتُ أحسبُكَ بيننا تُشاركنا بعثرات حديثنا ما بين المزح والنقاش وتقديم النصيحة… ذلك السردُ الطويل لقصصك وشرحكَ الدقيق التفصيليّ، قهقهتُكَ العالية المدوّية في قلوبنا فرحاً، حديثُكَ الطويل كان يجوب مسامعي لساعات لا ندركُ وقتها كم أمضينا سوياً.. لكنها بالكاد كانت أمتع السويعات.. كنتَ تقول دائماً “بسيطة” و”بتِتْسَهل”، لأي مشكلة أو شكوى وتهوّن علينا الأمور.. كنتَ لي المرجع والناصح الحنون حتى وأنا أُم.

والدي العزيز:

يا سيّد الدار نظُنكَ بيننا في سُفرتنا ( تَعزِم ) علينا، تضعُ قسمةً في صحني …وتمدح من أعدّ الطعام.. ما زلنا نتذكر وجباتك ومشروبك المفضلين.. حتى فنجان قهوتك المملوء بزخارف إسلامية مازال يحكي كمْ كنتَ مُتَيّمٌ للقهوة، كُنتَ تحبها سوداء غامقةً ثقيلة وبدون هيل.

والدي العزيز:

سعيدةٌ أنا بأثرك بعد رحيلك.. فخورةٌ بحبّ الناس لك.. سيرتك الطيبة.. أصدقاؤك القدامى، وجيرانك الكرماء.. حتى قططكَ الأليفة.. كلهم أوفياء حتى حينك.. حنونٌ أنتَ حتى في غيابك حين تزورني بابتسامتك في أحلامي تُطمئني أنكَ بخير..

والدي العزيز:

تعلمتُ في فقدك، أنّ معادنَ الناس تُكتشف في الشدائد وتُقاس بالمواقف، فتسقط الأقنعة وتعرفُ صاحبك من خصمِك، ومن قاسمكَ مواجع الفقد والحزن.. بعضهم خاب الظن فيهم، وبعضهم أجمل بكثيرٍ مما ظننا..

والدي العزيز:

مرّتْ أشهرٌ لغيابك وما زال يوم الوداع الأخير عالقٌ حتى حينه… ما كانَ فقدُكَ هيّناً ولكنه أمراً مقضيّا، نعم هذه سنةُ الحياة بين مولود وغائب واللهم لا اعتراض فأمر الله مطاع، لكن هناك درساً مهماً وهو أنّ المرءَ يُنسى بعد الموت ولا يُذكر الا اسماً غائباً، الا أقربائه لا ينسونَ، فوجع الفقد والكسر لا يبرأ..
فعزائي لك يا والدي عمراً لا ينقضي إلى أن نلتقي…كنتَ خير مُربٍّ وخير قائد وخير معلمٍ وخير صديقٍ ووالدٍ حنون… كنتَ السند والأمان والشجرة المثمرة.. ما زال أبناؤك ينعوك، وباقون على العهد، متصلون معك بالدعاء وماضون على نهجك..

والدي العزيز:

طابَ منامك الطويل ولروحكَ السلام وعليكَ رحمةٌ ونور وقبرٌ فسيح الزوايا، في جنات عدنٍ، وقُرةَ عين بدارِ السرور.. {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِر}.”سورة القمر”

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights