خدمة “الوطن والسلطان”واجب مستمر ومسؤولية مشتركة
حمدان بن هاشل العدوي
عضو الجمعية العمانية للكتاب والأدباء
الوطن والسلطان كلمتان ينسجمان معاً في قلوب أبناء عمان، ينطوي تحت لوائهما كل مواطن، صغيراً كان أم كبيراً، عاملاً أم متقاعداً، حيث تلتقي المسؤولية الوطنية بواجب الولاء، فلا أحد معذور عن بذل العطاء، ولا مكان للتخاذل في أداء الدور المطلوب، هنا يكمن سر سلطنة عُمان، التي تتلاحم فيها السواعد والأفكار، لتشكل لوحة فريدة تتجدد مع كل يوم في خدمة الوطن والسلطان.
التنافس وليس التناوب:
في سلطنة عُمان، الخدمة ليست مجرد واجب نؤديه ثم ننصرف عنه، بل هي حالة دائمة، ينبض بها قلب كل مواطن، وهي لا تقتصر على جيل دون آخر، بل هي عمل مستمر وشرف دائم، الجميع هنا يعملون بتنافس وتفانٍ وليس بالتناوب أو التراخي، سواء كانوا في مواقع عملهم أو في شؤونهم الشخصية، فهم يدركون أن خدمتهم لا تقف عند حد الوظيفة، بل تمتد إلى حيث تصل قدراتهم.
ولا شك أن الشعور بالفخر والانتماء لسلطنة عُمان هو ما يدفعهم لهذا التنافس المثمر، فكل مواطن يرى في جهده لبنة في بناء الوطن، وكلهم يسعون لتقديم الأفضل، كلٌّ من موقعه، وبما يستطيع تقديمه.
مسؤولية المتقاعدين: “صمام أمان” للشباب
قد يعتقد البعض أن المتقاعد تنتهي مهمته بانتهاء خدمته الرسمية، لكن الحقيقة تختلف؛ فالمتقاعدون هم الكنز الثمين الذي لا يقدر بثمن، هم “صمام الأمان” للشباب والشابات، لأن خبراتهم وتجاربهم تشكل الركيزة التي يبني عليها الجيل الصاعد، ففي وقت أصبحت فيه القيم والأخلاق معرضة للتغيير، يأتي دور كبار السن لتعزيز الثوابت العمانية التي تربى عليها أبناء عُمان، وتثبيت الهوية الوطنية التي تميّز سلطنة عُمان.
أولئك المتقاعدون هم كنز في فعاليات المجتمع، إذ أنهم يشاركون في الفعاليات التي تقام على مستوى سلطنة عُمان، بدءاً من المحاضرات الثقافية، إلى الورش التدريبية، والمناسبات الوطنية، وحتى الأنشطة التطوعية، فهم يتواجدون ليشاركوا الشباب أفكارهم وحكمتهم، ليكونوا مثلاً يُحتذى به، وحافزاً للاستمرار والعطاء.
دورهم في المحاضرات والورش والمناسبات:
تعتبر المحاضرات والورش والمناسبات المختلفة التي تُعقد في مختلف أرجاء سلطنة عُمان، فرصة هامة لإثراء الشباب، وهنا يأتي دور المتقاعدين لتقديم النصيحة والإرشاد، وليكونوا جسوراً تربط بين الأجيال، ففي كل مرة يحضر فيها متقاعد أو كبير سن لمشاركة الشباب خبراته، يقدم لهم نافذة على تجارب الماضي وحكمة العمر، مما يساعدهم في تجاوز التحديات بروح صلبة وثقة في النفس.
ولا يتوقف تأثيرهم عند المشاركة فقط، بل يتعداه ليصبح وجودهم ذاته إلهاماً للشباب؛ إذ أنهم بمثابة المرآة التي يرى فيها الشباب الصورة التي يمكن أن يصبحوا عليها، ليس فقط من حيث النجاح العملي، بل من حيث التمسك بالقيم الوطنية، والعمل بجد وإخلاص.
تعزيز الهوية الوطنية والقيم العُمانية:
يأتي المتقاعدون وكبار السن ليكونوا حُماة الهوية الوطنية، حيث يعتبر وجودهم ضمن المجتمع تعزيزاً لقيم سلطنة عُمان الأصيلة، إنهم يروّجون للقيم العُمانية في كل فعالية، وكل محاضرة، وكل ورشة عمل؛ فهم يعرفون سلطنة عُمان جيداً، بكل ما تحمله من إرث ثقافي وعادات وتقاليد، ويؤمنون بأن نقل هذه القيم للشباب هو أفضل إرث يمكن تقديمه للوطن.
إنهم يسعون إلى ترسيخ القيم العمانية في نفوس الأجيال الجديدة، تلك القيم التي تتعلق بالكرم، والتسامح، والولاء للوطن وللسلطان، وتقديم المصلحة العامة على الخاصة، واحترام الآخر، وكثير من المتقاعدين يسعون إلى نشر ثقافة العطاء والخدمة، ليدرك الشباب أن عطاءهم للوطن هو مصدر فخر وإلهام.
التكامل بين الأجيال: صورة مشرقة لعُمان المستقبل
حين تجتمع خبرة المتقاعدين وحماس الشباب، يولد نوع من التكامل المثمر الذي يسهم في بناء مستقبل مشرق لعُمان، فسلطنة عُمان الغد تحتاج إلى حكمة الماضي واندفاع المستقبل، وهذا لا يتحقق إلا بتكاتف الجهود والعمل جنباً إلى جنب، إن المتقاعدين لا يعملون كأفراد منعزلين، بل كجزء من نسيج المجتمع، الذي ينظر إلى المستقبل بتفاؤل، مدركاً أن كل جهد يبذل اليوم سيثمر غداً.
الخاتمة:
في سلطنة عُمان، كل فرد مسؤول عن خدمة “الوطن والسلطان”، والجميع مطالبون بتأدية هذا الدور، بلا استثناء أو عذر. المتقاعدون والكبار في السن هم ركيزة أساسية لهذا الدور؛ إنهم يعطون بلا مقابل، ويُعَدّ وجودهم جزءاً لا يتجزأ من حياة الشباب، يوجّهونهم ويزرعون فيهم الثقة، ويحفّزونهم ليكونوا الأفضل.
تظل سلطنة عُمان وفية لأبنائها، تفتح أبوابها لهم ليبدعوا، ويعملوا، ويشاركوا في نهضتها، لأنها تدرك أن التفاني والعمل والتكاتف بين الأجيال هو ما سيجعلها دوماً في طليعة الأمم.