(لَم تُرِد منكُم جزاءاً ولا شكوراً )
زيانة سالم الجابري
لِتلك الفتَاةُ القويةِ: (بِيسَان)
لقْد ظَنّت بِأنهُ لا يُمكن لأحدٍ اختراق عالمِها وكيانها الخاص بِها، لَن تُوجد هُناك حدود غير حدودِها؛ فَهي تمشي بخُطىً ثَابِتة يَستحيل على بَشر تعدّي تلك الخُطى، لَمْ تكُن تُدرِك أَن لِسْوءِ فَهمِ ذَلك الأَمر العظِيم، لَم تَضع فِي حسبانها أَن صِغار العُقول التَافِهة يُمكِن لَهم أن يُحَاوِلوا الوصول لعالمِها.
حَاولوا الصعُود على كتفِها فَباءت مُحاولاتهم بالفشل في كُل مرة، لَم يُحركوا فِيها سَاكْناً، وظلّت على خُطاها الثاَبِتة حَتى أَتْت تِلك الليلة المشؤومة، فَقد تَواجد هَؤلاء البشر لِكسرِ كِبريائها، لِكسر عزةِ نفسها، لكسرِ غرُورِها، لمحاولة تَدمِير عَالمِها الجَميل، فَزينوا لَها أنفُسِهم، كَما زَيَّن الشِيطانُ نفسه مِن قَبل، أَوهَموها بِصداقةٍ مُزيفة حتى تَكون لَهم كِتَاباً مفتوحاً، فتُخبِرهم بِما يجولُ فِي رَأسِها حَتى تثق بِهم وتُطلِعهم عَلى أَسرارِها وأَفكارِها وكل ماَ تفعل بِعالمها الغاَمِض بالتفصِيل، وهاَ هُو ذا قد حدث ذلك فعلاً؛ في تلك اللَيلةِ الصَادِمة كَانت تُشارك بِعملٍ جَمِيل لها لِيفُوز فِي مُسابقة طُرِحت على مُستوىً عالٍ، قَدِمت مُتأخِرة كَعاَدتِها لِكي تَرى هَول الموقف، رَأْت عَملها وفِكرتها وأُسلوبها قَد تَم تنفيذها من قِبل تِلكْ الصدِيقة المزعومة.
آآآآآهٍ مِن غَدر الأصحَاب.
لَم تصدر لَها أيّ ردة فِعل، سِوى العودة للمنزل والنوم في سريرِها والبكاء كطفلٍ سُرِقت لُعبَتهُ منه.
بالنسبةِ لبِيسان، تَحطم شيء ما فِي داخِلها وهُو شيٌ كَبير.
فَهي عَفوية مَرحة مُحِبة للحَياة، صَاحِبة ابتِسامة دَائِمة، لَم تكُن تحتاَج إِلى أَحدٍ بِجانبها لهذا الحد.
السر العظِيم ماَ لم تعرِفهُ الصَاحِبة تِلك وغيرها أَن بِيسان لَدِيها توأم فَقدتها مُنذ زمن، دائِماً كاَنت تُرافِقها فِي مُخيلتها، كاَنت الوحِيدة التي تَقدر أَن تُرجِع أختها مِثل ما كانت؛ فعلاً وفِي أَثناء بُكائِها تراءى لَها طيفُ وخَيالُ توأمِها (نِيساَن)، تَقول لهَا: لَم أعهدكِ يوماً بِهذهِ الحاَلة، عُودِي إِلى رُشدكِ يا توأَمِي الجَمِيلة، فَليس هُناك مَن يستحق أَن نَبكي عَلِيه سِوىَ الميت.
فَهو الغَائِب الَذي لاَ يُمكِن عودتهُ للحياةِ مَرةً أُخرىَ.
غَمرت السعادةُ بِيسان لما سمعته من ذلك الطيف، فقامت من سريرِها.
القصة من نسج الخيال وإن تشابهت أحداثها بالواقع فهو بمحض الصدفة لا أكثر ولا أقل.
(تمت المراجعة)