عائشة ..
عبدالله بن حمدان الفارسي
ما زلت أعيش وأتعايش مع الواقع في خيال الواقع، أتحرى طيفك في دهاليز الزمن، أستنبط منه ذكريات جميلة، ولكنها مبعثرة لكيان تحتضنه روحي، تفاصيل الحياة معك تقرع أبواب عقلي وقلبي في آن واحد، تذكرني في حين أنني لم أنسَ ولكن قد أكون أتناسى، لأنسى ذلك اليوم، الخامس من يناير لسنة كبيسة، وربما هي لم تكن كذلك.
(عائشة) عائشةٌ في كياني وفي تكوين حياتي، تؤلمني الذكرى رغم إصراري على جلب الألم لقلبي، فإن ذلك الوجع يعزز مكانتك بقلبي، أتحدث مع طيفك في يقظتي وغفوتي، يتلألأ ذلك الوجه الندي نورا وإشراقا، تتوهج به مشاعري شوقا وحنانا إليك.
ليس لفقدك بلسم سوى الإيمان بقضاء الله، والاستسلام بكل قناعة لقدره، ولكن الفراق مؤلم يا (عائشة)، سنوات مضت، وأحداث مرت وتوالت، وحياة اكتستها تضاريس من الصعوبة بمكان أن لا تُنْسِي الإنسان إنسانا.
لكنك تعيشين في الوجدان من أقصاه إلى أقصاه، ستظل بسمتك الهادئة تضفي ظلالها الزاهية على روح المكان وعمق الزمان بعبق الفرح لا برياح الأحزان، كنتِ ولا زلتِ سيدة الجنان في قلبي، فراقك انعطافة لطريق لا عودة فيه، ولا مناص منه، وقدر يخيم بظلاله على حياتنا شئنا أم أبينا، أشياء تولدت بعد رحيلك وانتهت، ونهار تعاقبت عليه آهات الليل، وخطوات تحث السير إلى قدر مجهول، مبهمة توجهاته وجهاته وميقاته، لكنه قادم بين الفينة والأخرى.
تثاقلت خطى الأيام خلفك في قلبي، وتباطأت النبضات من بعدك، ولم تعد تلك البسمة المشرقة تزور ثغر الأيام، ولا ضياء الأقمار يبهر الليالي، ولا شعاع الشمس يؤنس النهار، رحلتك على ذلك الهودج في ليل أوجاعه عائشة يا (عائشة) على صدر الزمان ومهجة المكان.
حفظك أينما كنت من هو أكثر حنانًا عليك مني، في جنان الحور يا فلذة قلبي ومبعث سعادتي، كما كنت في قعر أحشائي وعقر أفكاري ومشاعري، خلفك تحول الأخضر للاصفرار، وكأن الخريف سيطر على الزمان، وجف الغصن، وتساقطت الأوراق.