مقال : تحديات التنمية
أحمد بن سالم الفلاحي
تخلق البنى الأساسية، بصورة دائمة، في كل مشروعات التنمية في أي بلد في العالم تحديات مستمرة، وتراهن في بقاء هذا التحدي بناء على الواقع الذي يأتي كل يوم بجديد، والذي لا يترك لك فرصة التروي، خاصة وأنت – كمخطط – تنهال عليك إنجازات العالم، ومؤشرات نمو التنمية، والخطط البديلة من كل حدب وصوب، فلا تكاد تستفيق من تحديات إنجاز ما؛ الا والآخر تبدو إرهاصاته ظاهرة للعيان، شئت ذلك أو رفضت.
ويأتي الجمهور العريض هو الآخر ليدفع بمختلف التحديات على السطح، لأنه يعيش نفس الإرهاصات، ويتلقى نفس المعلومات، خاصة اليوم بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة جدا، لا يكاد أحد ما في أي بقعة منه يبدل لون حذائه فقط، إلا وينتشر ذلك على طوال الأرض وعرضها، في حالة من شمولية الرؤية، وكثافتها، وقوة تأثيرها وتركيزها، ولذلك ستعيش جميع التجارب التنموية في كل بلدان العالم هذا الحال، وستجد هذا الاهتمام، في أفقر الدول وأغناها، وفي أعلم المؤسسات وأجهلها، ومن لم يكن على نفس هذه الصورة من التحدي؛ ومن لا يقبلها، عليه أن يواري جسده التراب، لأن الحياة برمتها تعيش هذا الاستنفار العالمي بشكل مخيف ومروع فعلا، لأن هذا التسارع بهذه الصورة؛ التي لا يكاد صناع التنمية ومتبنوها؛ يسترجعوا أنفاسهم؛ إلا والخطة الأخرى على رأس القائمة.
عايشنا في أزمان ماضية، قريبة أو بعيدة، صورة من صور هذا التعامل المسالم، أو المهادن مع التنمية، وهي الصورة التي يمكن التعبير عنها بمفردة “لملمة” الأشياء، في أوقات قياسية، بعيدا عن التخطيط السليم، والبرامج الحاكمة للإنجاز، المهم أن يتم ذلك على وجه السرعة، ومن هنا خالط هذا النوع من الإنجاز الكثير من التخبط، والكثير من الأخطاء، والكثير من النقص، والكثير من الاختزال لمفهوم الخدمة، ولذلك فهناك الكثير من الخدمات لم تعمر طويلا، ولم يكتب لها أن تعيش عمرها الافتراضي كما يفترض، ولذلك استلزم الأمر أن يعاد البناء مرة ثانية من جديد، اليوم، وبحكم الواقع؛ وهو واقع غير الذي كان بالأمس، لا تنفع هذه المعالجة في تشييد البنى الأساسية، ولا تنفع هذه المعالجة بالقرارات الارتجالية، ولا تنفع هذه المعالجة من غير ولادتها من رحم البحث والاختصاص، ولا تنفع هذه المعالجة من أن تطرح مشروعاتها بشفافية ومصداقية “لا تنفذ منها إبرة المخيط” كما هو المثل، فالمعالجات التقليدية راح زمانها، وعلى الذين لا يزالون على حلم هذه الصورة – في أي موقع كان – يقال لهم حرام عليكم، فالعصر لا يقبل الرهانات الخاسرة، والأوطان تبقى دائما مع الرهانات الرابحة، وربحها الإخلاص، والعمل، والتعاون، والصدق، والأمانة، والشفافية، والتجرد التام من الذاتية.
يبقى الجميل في هذا الجانب أيضا أن الجمهور بمشاربه وتوجهاته؛ أصبح اكبر صوت للوقوف ضد أي أحد يذهب الى تبني المشروعات الخاسرة في حقه هو، وهو المستفيد الأول؛ بلا شك؛ وموقفه ليس هينا.