تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

متى ستفتح؟

جابر حسين العماني
‏Jaber.alomani14@gmail.com

ضمن فضاء الحقوق والحريات لمختلف فئات المجتمع في وطننا العزيز والمبارك شُيدت صروح ثقافية في العديد من الولايات العمانية، منذ زمن الأجداد الكرام باسم المآتم الحسينية، وبالرغم من كونها أماكن أعدت لإحياء المناسبات الدينية والاجتماعية المختلفة؛ إلا أن تلك الصروح الثقافية نهضت ومنذ اليوم الأول بدورها الفاعل في تحقيق أهداف الحياة الاجتماعية وقيمها النبيلة والمباركة، وسعت جاهدة إلى تكريس اللحمة المجتمعية بين أبناء المجتمع الواحد من خلال المحاضرات والتوجيهات التي يستمع إليها رواد تلك المجالس من مختلف فئات المجتمع، والتي تدعو وترسخ مفهوم المواطنة بين أبناء الوطن العزيز.
إن المناسبات التي تحييها المآتم الحسينية من احتفالات بميلاد الرموز والشخصيات الإسلامية، أو العزاء في ذكرى وفيات تلك الرموز، تحمل الكثير من المعاني والرسائل التي من شأنها أن تنشيء وتربي وتعد الأجيال على حب مكارم الأخلاق والقيم والمبادئ المحمدية الأصيلة التي دعت لها تلك الرموز والشخصيات الإسلامية، وفي طليعتهم سيد الكائنات النبي الأكرم محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- وبقية الأنبياء الكرام.
وأما الإمام الحسين بن علي عليه السلام وهو سبط النبي الأكرم -صلى الله عليه وآله وسلم- فتحتل شخصيته المباركة مساحة واسعة وكبيرة من الإحياء؛ لذا فإن المحاضرات التي تعد وتقدم في تلك المناسبات تركز وتؤكد على أهمية الدعوة إلى فعل الخيرات والإصلاح الاجتماعي بين أبناء المجتمع الواحد، وهو ما أكد عليه حفيد الرسالة المحمدية الإمام الحسين عليه السلام عند خروجه من مدينة جده المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم-، وهو ذاهب للدفاع عن الإسلام والقيم الإنسانية النبيلة، وقد أعلنها بصراحة تامة عندما قال: (أَنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَلاَ بَطِراً، وَلاَ مُفْسِداً وَلاَ ظَالِماً، وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ اَلْإِصْلاَحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنِ اَلْمُنْكَرِ، وَأَسِيرَ بِسِيرَةِ جَدِّي وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، فَمَنْ قَبِلَنِي بِقَبُولِ اَلْحَقِّ فَاللَّهُ أَوْلَى بِالْحَقِّ، وَمَنْ رَدَّ عَلَيَّ هَذَا أَصْبِرُ حَتَّى يَقْضِيَ اَللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَ اَلْقَوْمِ بِالْحَقِّ وَهُوَ خَيْرُ اَلْحٰاكِمِينَ).
لقد عرفت سلطنة عُمان منذ مئآت السنين بوجود هذه المآتم الحسينية في العديد من الولايات العمانية والتي لها الدور المشرف، بإحياء المناسبات الإسلامية المختلفة، والتعريف بها، وذلك من خلال الحفاظ الدائم على احترام الإرث الثقافي والإسلامي الذي يدعو إلى الوحدة الإسلامية، ونبذ الشقاق والتفرقة بين أبناء المجتمع الواحد، واحترام وتقدير الأديان السماوية بكل مسمياتها وأشكالها وتوجهاتها، وكما فعل ذلك الخلفاء الراشدون ومنهم الإمام علي بن أبي طالب الذي طالما يقول ويكرر: (اَلنَّاسُ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي اَلدِّينِ وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي اَلْخَلْقِ).
ومنذ أن فتحت المآتم الحسينية في وطننا العزيز منذ مئات السنين وهي لم تغلق أبوابها أبداً عدا أيام انتشار مرض كورونا، حيث قامت السلطات الأمنية بإغلاق المآتم – مثلها مثل غيرها من أماكن التجمع العامة – للحد من انتشار المرض بين الناس، وهو قرار صائب وقد رحب به الجميع، واليوم يتكرر الإغلاق من جديد، حيث قامت السلطات الأمنية إحترازيا بإغلاق المآتم الحسينية بعد الحادثة الإجرامية المعروفة في الوادي الكبير.
وهنا نثمن ونقدر عاليا ما تقوم به الجهات الأمنية بهدف الحفاظ على أرواح المواطنين والوافدين كذلك، فالعمل الإجرامي الذي وقع في ليلة ويوم العاشر من محرم الحرام وراح ضحيته بعض المواطنين وجمع من الوافدين كان في موقع واحد وهو الوادي الكبير، ولكن بسبب تلك الجريمة النكراء تم إغلاق المآتم في كل الولايات العُمانية، ومع كل الأسف استمر الإغلاق إلى نحو شهر ونصف، أي: إلى هذه اللحظة التي أكتب فيها مقالي هذا، ولا يعلم أحد من مرتادي المآتم الحسينية متى ستفتح المآتم أبوابها؟ لتعود كما كانت تدعو إلى الخير والإصلاح واحترام القيم والمبادئ الإنسانية والوطنية.
لذلك فإنه اليوم هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق وكلاء المآتم ومشايخ القبائل وأعيان المجتمع ومثقفيه بتنسيق إجتماعات حوارية مع الجهات المعنية للحوار الجاد في ما حصل، ووضع النقاط على الحروف بما يتناسب وفتح المآتم الحسينية وكيفية حمايتها والحفاظ على أرواح مرتاديها، حتى يتمكن الجميع من ممارسة شعائرهم الدينية كما هو الحال قبل تلكم الحادثة الغريبة الطارئة على مجتمعنا.
وهنا نقترح الآتي:
• أولا: الإقتصار في المرحلة الأولى على فتح مأتم واحد فقط في كل ولاية، بدلا من فتحها كلها إلى حين التأكد من أن المآتم أصبحت آمنة والوضع الأمني مستقر؛ وبهذا يتم فسح المجال لمرتادي تلك المآتم للحضور للمأتم المفتوح، أو أن تفتح المآتم جميعا ولكن يحدد عدد الحضور وتتخذ الاحترازات، إذ هناك العديد من التطبيقات الإلكترونية التي يمكن أن تساعد في تنظيم الحضور ولو جزئيا؛ وبذلك يتم فتح المآتم وإمتصاص غضب من ينتقد طول فترة الإغلاق.
• ثانيا: تشديد الرقابة والحماية الأمنية للمأتم المفتوح في كل ولاية، وذلك بتفتيش زوار المأتم عند دخولهم إليه، وتأمين الطرقات المؤدية لذلك المأتم أو المآتم المفتوحة في حال تبني خيار الفتح الجزئي.
• ثالثا: توعية المجتمع بإحترام القوانين المفروضة والتقيد بالإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية المفروضة على المواطنين، وكيفية التعاون مع رجال الأمن، وذلك من خلال إستغلال الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي لتوعية الناس.
أخيراً: على الجميع تحمل مسؤولية إرجاع المياه إلى مجاريها، فكما كانت بلادنا آمنة مستقرة يجب أن تكون كذلك دائما وأبدا، وهي وظيفة يجب أن يتحملها أفراد المجتمع بمختلف أطيافهم وألوانهم، من أجل الدفاع عن أرض الوطن العزيز، وقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لاَ خَيْرَ فِي اَلْوَطَنِ إِلاَّ مَعَ اَلْأَمْنِ وَاَلسُّرُورِ) صدق نبي الرحمة -صلى الله عليه وآله وسلم- وحفظ الله عمان وقائدها وشعبها من كل سوء.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights