2024
Adsense
مقالات صحفية

التنوُّعُ والاخْتِلافُ البَشَرِيّ لطفٌ إلهيٌّ

د. سميره الشبلية

إن من ألطاف المولى -سبحانه وتعالى- أن خلق البشر في تنوُّعٍ واختلاف، اختلافٌ في كل شيء: اللون، والشكل، والخِلقة، والفكر، والسلوك، والدّين، والعقيدة، والمذهب، وغيرها، حيث قال الله في كتابه العظيم: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ} (هود: 118-119)؛ لذلك خلقهم في تنوُّع واختلاف؛ للتعارف؛ لأن بالتعارف يحصل الإبداع، والثراء العلمي، وتبادل الخبرات، وعمارة الكون. وجعل مقياس التفاضل الوحيد هو التقوى؛ حيث قال تعالى في بيان هذه الحقيقة: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ} (الحجرات: 13)؛ لذلك كان النداء للناس كافة؛ فهم سواسية.

وعن جابر بن عبدالله – رضي الله عنه – قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى) (رواه أحمد في مسنده: 5/411).

لذلك فقد أرسى الإسلام قيَم الحوار، والجدال بالحسنى، والتسامح، وقبول الآخر؛ تحقيقاً لغايةٍ سامية هي التعارف بين الشعوب، وإرساءً لمبدأ السلام والتعايش السلمي؛ لأن الإسلام دِينٌ ينبذ التنطُّع والتشدُّد والغلوّ والتطرف؛ فقد ثبت في الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم- قال: (هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ- قالها ثلاثا)؛ تأكيداً على خطورة التنطُّع؛ فالمتنطِّعون هم: المجاوزون الحدود في أمور الدين الإسلامي في أقوالهم وأفعالهم. وفي رواية أخرى: (إيّاكم والغلو في الدين؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) 1، فقد حذّر النبي – صلى الله عليه وسلم – من الغلوّ وتجاوز الحدّ في أمور الدِّين؛ لأنه سبب لهلاك الأمم؛ لِما ينشأ عنه من تكفير الغير المختلف في الرأي أو المذهب؛ وهذا التكفير قد يؤدي إلى التفجير، وإراقة دماء المسلمين بغير حق، والإسلام من ذلك براء؛ لأن الإسلام دين الوسطية، والتوازن، والاعتدال، وهكذا أراد لأمة الإسلام أن تكون، حيث قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شهِيدًا} (البقرة: 143).

وبالتسامح وقبول الآخَر عاش المسلمون مع غيرهم في كنف الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، تنظمهم وثيقة المدينة التي كتبها محمد – صلى الله عليه وسلم – والتي هي دستور السياسة في عالم اليوم.
وجلالة السلطان الراحل – قابوس بن سعيد- رحمه الله- هو مدرسةٌ لأخذ القيَم النبيلة الفاضلة، اتّخذ قاعدة التخلية قبل التحلية؛ حيث ركّز في خطابه على الملوثات للتعايش السلمي، وهي: التعصُّب والتزمُّت والتشدُّد والتطرُّف، وضرورة تجنبها، حيث أوضح بأنها مهما كانت مسمياتها؛ فهي نباتات كريهة سامّة، ترفضها التربة العمانية الطيبة، التي لا تنبت إلا طيّباً؛ فالعمانيون منذ فجر الإسلام جسّدوا الإسلام واقعًا عملياً، ورسموا التسامح على جبينهم؛ فعاشوا مع غيرهم في بيئتهم ومن يفِد إليهم من غيرهم تحت مظلة الشريعة الإسلامية؛ فما خاب فيهم خاب قول المصطفى – صلى اللهعليهوسلم-: (لو أنَّ أَهْلَ عُمَانَ أَتَيْتَ ما سَبُّوكَ وَلَا ضَرَبُوكَ)”2″. وقد أكّد السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله- في أول خطابٍ له في الحادي عشر من يناير لعام 2020م، قائلًا: (… سوف نترسّم خطى السلطان الراحل مؤكدين على الثوابت التي اختطها لسياسة بلادنا الخارجية القائمة على التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحسن الجوار…).

وتحقيقًا لوسطية الأمة الإسلامية، ومبدأ التعايش السلمي؛ فإنه يجب على الأفراد والجماعات الحذر من الأمور التالية:
أولًا: الأفراد، والجماعات الحاقدة على من ينعمون بقيم السلام والتسامح والألفة تحت مظلة الشريعة الإسلامية: فهذا هو شاسُ بنُ قيسٍ مرّ على نَفَرٍ من أصحابِ رسولِ الله -ﷺ- من الأوسِ والخزرجِ في مجلسٍ، فغاظَهُ ما رأى من أُلْفَتِهِم بفضل الإسلامِ بعد الذي كان بينَهم من العداوةِ في الجاهليةِ، فأَمَرَ فتىً معه، بأن بجلس معهم، يذكَّرَهُم بيومَ بُعاثٍ من أيام الجاهلية (يوم اقتتلت فيه القبيلتان)، وما كان قَبْلَه، فتَكَلَّمَ القومُ عند ذلك وتنازَعُوا وتفاخَرُوا وقالُوا: السلاحَ السلاحَ، فبلغ َذلك الرسولَ-ﷺ- فخرجَ إليهِم فقالَ: يا معشرَ المُسلِمينَ اللهَ اللهَ أبِدَعْوى الجاهليةِ وأنا بينَ أظهُرِكُم، بعدَ إذْ هداكُم ُاللهُ إلى الإسلامِ، وأكرمَكُمْ بِهِ، وقطَعَ بِهِ عنكُم أمرَ الجاهليةِ، واستنقذَكُم به من الكفر، وألَّفَ به بينَكم ترجِعونَ إلى ما كنتم عليه كفارًا)”3″. وفي بيان حقيقة دعوى الجاهلية قال ابن تيمية: -رحمه الله-: وكلُّ ما خرج عن دعوة الإسلام والقرآن: من نسبٍ أو بلدٍ أو جنسٍ أو مذهبٍ أو طريقةٍ: فهو من عزاء الجاهلية.

ثانيًا: أخذ العلم من الأئمة المضلّون، قال الرسول – صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ أخوف ما أخاف عليكم الأئمة المضلون) “4”. وعنه (صلَّى الله عليه وسلَّم) قال: “إنَّ الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتَّى إذا لم يُبقِ عالماً اتخذ الناس رؤوسًا جهَّالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلُّوا وأضلُّوا)”5”. وعلى النقيض من ذلك فإننا نجد اليوم أن بعض برامج الذكاء الاصطناعي تُعنى بتجسيد شخصيات لعلماء أفاضل، وبالتالي ينطق العالم من خلال هذا البرنامج بفتوى أو بحكم شرعي لا يمس إطلاقاً لنهج الشريعة الإسلامية، والناشئة اليوم ممن ليس لديه حصيلة علمية كافية بالأحكام والتفاصيل الشرعية في الدين الإسلامي سينتهج ذلك.

ثالثًا: الأفكار المتطرفة، والتكفيرية الضالة، والمضلّلة لسامعيها؛ والوقاية من ذلك عن طريق زرع حصانة بالإيمان الراسخ، والعقيدة الخالصة التي لا يشوبها أدنى شك، ولا تقبل أي فكرٍ ضالٍ، بل بها يحصل الأمن والهداية التامة، والطمأنينة الإيمانية التي لا تزعزعها، ولا تقبل أن تخالطها الأفكار الضالة. قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (الأنعام:82).

ولا يخفى اليوم أن هناك برامج بشخصيات رائعة، ولكنها تدعو إلى الإلحاد، كما تدعو إلى التنصير وما شابه ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-أخرجه مسلم في صحيحه،:/ 4 255 ، رقم الحديث: 2670.
2- أخرجه مسلم في صحيحه، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي – بيروت، رقم الحديث: 2544، ج 1.
3- أخرجه البخاري في صحيحه، 4/2058، رقم(2673).
4-أخرجه البخاري في صحيه، كتاب: المناقب، باب: ما يُنهى من دعوى الجاهلية، (2/ 224) رقم (3518)، ومسلم في البرِّ والصلة والآداب، (2/ 1200)، رقم (2584).
5-رواه أحمد في مسنده، 13/291، رقم(7912).

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights