2024
Adsense
مقالات صحفية

عواقب غسيل المخ

  ماجد بن محمد بن ناصر الوهيبي

الإنسان عدو نفسه في بعض الأحيان، وهذه العبارة تنطبق على من يحبون خوض غمار التجارب مهما كانت العواقب، والإنسان في هذه الحياة الدنيا إما أن يكون مؤثرا أو متأثر، وفي كثير من الأحيان مؤثرا ومتأثرًا في آن واحد.

وهذا الحديث لا يختلف عليه اثنان؛ فالبداية دائمًا تكون فكرة، ثم تجربة عابرة أو نزوة يمكن الرجوع عنها أو الاستمرار فيها بحسب الميل. وإلى هنا يكون حديثًا في النفس فقط، ثم الوصول للاقتناع، ثم المسلك الأخطر؛ وهو تبني هذه الفكرة الخطيرة وتنفيذها. وهنا تكمن المصيبة وتقع الكارثة، ولعل أقرب الناس إحساسًا بهذا الكلام الذي أقوله هم علماء النفس؛ فعلى سبيل المثال، مجالسة شخص سلبي له أفكار سلبية؛ حتما سيتأثر به من حوله ومن يجالسونه، وليس بالضرورة من اللقاء الأول، بل حتى بكثرة المجالسة؛ فيكون ذلك أشبه بغسيل المخ تماما، وكيفية تهيئة العقول لتلقي هذه الأفكار وبلورتها مع قدرة الإقناع؛ فيحول من حوله من الإيجابية إلى السلبية، وكذا العكس.

ويختلف البشر بسرعة التأثر من عدمه، ويعتمد أيضا على شخصيات البشر. وللأسف هناك شواهد من الواقع لبعض البشر ممن تأثروا بهذه الأفكار وممن انقادوا، واستسلموا لها حتى وصلوا إلى مرحلة خطيرة تحتم عليهم قبول هذه الأفكار دون غيرها، وإغلاقهم الباب في وجه الحوار الهادف والحل الناجع للخروج من هذه المعمعة السلبية، والإصرار على مواصلة هذا الطريق؛ ضاربين بذلك أسوأ الأمثلة لتقبل أي فكر آخر يعرض عليهم ليوقظهم من هذا السبات حتى لو كانت العواقب وخيمة؛ وهذا هو الإقصاء بعينه.

ولعمري أن هذا لهو الداء العضال والسم الزعاف، إن من اشرأبّ عقله وقلبه بهذه الأفكار حتما ولا محالة أنه سينشرها في مجتمعه وفيمن حوله؛ وهنا تكمن المشكلة، كمن يبذر بذرة الدمار في أرض كان الأولى أن يبذر فيها بذرة تعود بالنفع على الأفراد والمجتمع لا على الشقاق ودمار العقول وازهاق الأرواح، وما أكثر من يغرر بهم فيقعون ضحايا لهذه الافكار.

إن الحلول الممكنة لهذه المشكلة كثيرة؛ أبرزها نشر الوعي على أوسع نطاق وبتكاتف الجميع، ربما يقول قائل كيف السبيل إلى ذلك؟ والجواب ميسرًا بفضل الله.
لدينا منابر كثيرة كالمؤسسات التعليمية على اختلافها منذ التعليم التمهيدي وحتى الجامعي، وتعليم القرآن الكريم، وما يعود بالنفع على الصغار، وتلقينهم ما ينفعهم وما يضرهم بحسب أعمارهم ، وتحذيرهم من الأخطار بأنواعها والأفكار الهدامة بمسمياتها، والحذر من الاقتراب منها وطرق التخلص منها والنأي عنها؛ وهنا يكون الغرس في المدرسة والمسجد والجامعة والبيت الذي نشأت فيه الأجيال وخرجت منه، والإعلام بكل وسائله، والتعريف بالقانون، وكذلك الجزاء لكل جرم مخل وفكر ضال، وتبصرتهم بعدوهم المتربص بهم بمناهج مستقلة تصاغ بدقة متناهية لا بمناهج يمليها علينا الغرب أنفسهم، ومنها أيضاً، غرس القيم النبيلة والخصال الحميدة التي أمرنا بها ديننا الحنيف وإسلامنا الخالد والتمسك بها تطبيقًا لكلام الله وسنة نبيهِ -صلى الله عليه وسلم- القائل: (- ما من ثلاثةٍ في قريةِ ولا بَدوٍ لا تقامُ فيهمُ الصلاةُ إلا قد استحوذَ عليْهِمُ الشيطانُ ، عليكَ بالجماعةِ فإنَّما يأكلُ الذئبُ منَ الغنمِ القاصيةَ)- أخرجه أبو داود.

فالتعاون يكون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان، ولنأخذ بيد هذه الأجيال لهذه الناصية الآمنة، ولننظر في أحوالهم، ونحقق مطالبهم من تشغيل الكوادر والمخرجات التعليمية، ولنلغي قوانين الغرب المجحفة التي ما أنزل الله بها من سلطان، ولنتمسك بشرعنا الحنيف الذي أمرنا الله به في القرآن الكريم، ولنقيم العدل ونأمر بالقسط، ونطبق الحدود، ولنعطي الحقوق لأصحابها حتى لا يبقى بيننا فقيرًا ولا معدومًا، ولا بائسًا أو معسرًا أو مظلومًا ، ولنقف وقفة واحدة قيادة وحكومة وشعبًا في وجه المتربص؛ فعُمان عصية على كل مستعمر ومقبرة للغزاة منذ غابر الأزمان.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights