تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
حوارات صحفية

علياء العامرية: عندما يكون الأمل صوتاً

حاورتها: صفا الهنائية.

ولدتُ في عالم غارق في الظلام، لم أعرف معنى أن تبصر العينان. وحدهما أذني وقلبي كانا كل شيء بالنسبة لي، هما السمع والبصر، هما الحياة والأمل.
بدأت رحلتي التعليمية في مركز الوفاء، ثم واصلتها في معهد عمر بن الخطاب للمكفوفين. هناك، اكتشفتُ مواهبي أكثر.
في طفولتي المبكرة، وجدتُ شغفًا بتقليد الأصوات. الفتاة الثرثارة التي تتكلم في كل شيء أدركت في عمرٍ مبكر أنها تعشق المايكرفون أكثر من أي عشق في الحياة. صنعته بكل ما أملك من أدوات بسيطة، من أكواب بلاستيكية وأوراق. في كل يوم أعود فيه من المدرسة، أقلد مقدمي الإذاعة المدرسية، وأقلد مذيعي نشرات الأخبار، وأكتب القصص القصيرة المستمدة من واقعي.
منذ صغري، رافقني شغف القراءة. والفضل يعود بعد الله تعالى لوالدي الحبيب والعم سيف الشبلي الذي كان يحضر لي الكتب من مصر الحبيبة.
هنا يا صفا، سأشاركك أسرارًا لم أشاركها أحد من قبل في أي حوار إذاعي أو تلفزيوني أو صحفي. ربما لأني أشعر بأني أتحدث إليك شخصيا وليس لحوار صحفي يقرأه الجمهور.
هنا سأروي لكِ قصة أول آية قرأتها بأناملي، واكتشفتُ حينها مهاراتي في القراءة السريعة، والحمد لله على ذلك. كنت في الصف الثاني حين وضعت معلمة التربية الإسلامية مجموعة كتب فوق طاولتي وخرجت. بدافع الفضول، لمستُ الكتب وفتحتُ أحدها قبل عودة المعلمة. ففتحت صفحة عشوائية من كتابٍ لا أعرفه، فوقعت يدي على سطر مكتوب فيه قوله تعالى: “قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم “.
قرأتُها بسرعة، وشعرتُ بسعادة غامرة بهذا الإنجاز العظيم. وبدأتُ ألتهم السطور سطر تلو الآخر بشغف حتى عادت المعلمة ولم أنتبه لعودتها، ربما لأن الكتاب ألقى على روحي تعويذات سحره وجعلني أغيب في عالمه دون عودة.
أعطتني المعلمة الكتاب حينها، وطلبت مني أن أقرأه ثم أعيده إليها. وكانت تعطيني كل أسبوع كتابًا. وحين رأى والدي تيمي بالقراءة، أهداني هو والعم سيف كتابًا بعنوان: “طريق المعرفة”. ومنذ ذلك الحين، بدأ شغف القراءة ينمو. وبعدها، أصبحت تصلني بشكل شهري مجلة الفجر للمكفوفين، والذي كان يوصلها لي رجل اسمه العم داوود. وهذا ما جعل العشق يزيد أكثر وأكثر. كنت أقرأ المواضيع في المجلة بطريقة إخبارية، وأفعل ذلك بكتب المدرسة.
أدركتُ هيامي بالقراءة أكثر حين درستُ الإعلام بجامعة السلطان قابوس. لم أُقبل بتخصص الإذاعة والتلفزيون، تخصص الشغف، ولكني تخصصت في الصحافة والنشر الإلكتروني. لم أتقبل التخصص بادئ الأمر، إلا أني أدركت بأن الخيرة في ما اختاره الله لي.. وفي سنتي الدراسية الثالثة، مارستُ التحرير الصحفي في صحيفة النبأ الإلكترونية، وتعلمتُ من الصحيفة ما لم أتعلمه من الدراسة في الجامعة.
تخرجتُ من الجامعة وما زلتُ باحثة عن عمل. وما زلتُ عاشقة للتحرير الصحفي وأمارسه بكل حب في صحيفة النبأ الإلكترونية.
وبعد تخرجي من جامعة السلطان قابوس، عكفتُ على تأليف كتابي الأول: “الراقصون فوق السحاب”. وأعملُ على تأليف كتاب آخر بطريقة مختلفة. فكما ذكرتُ في مقدمة كتابي الثاني: {كنتُ أكتبُ؛ لأتخفف من أعباء أسرار حكاياتهم الثقيلة على روحي. ولكني اليوم في كتاب (…)، أشعرُ برغبةٍ عارمةٍ في التحرّر من قيود نفسي. من كلماتٍ تزدحم في ذهني، ومن صوتٍ داخليٍّ ثائرٍ، لا يهدأ ضجيجُه.}
“الراقصون فوق السحاب” هو عبارة عن مجموعة قصصية، بعضها عايشتُه بنفسي وبعضها سمعتُه من أفواه أصحابها. وأخذتني أحداثها حتى جعلتني أشعرُ بأني عشتُها، فكتبتُها كما لو أني بطلة كل قصة.
كان مصدر إلهامي لكتابة “الراقصون فوق السحاب” شخص قرأ لي كتاب “الراقصون تحت المطر” للدكتور ساجد العبدلي. كان يقول: “دعينا نكمل الراقصون فوق المطر أو فوق السحاب، المهم دعينا نكمل”. قلتُ له: “الراقصون فوق السحاب سيكون من تأليفي بإذن الله”. ضحك يومها وأكمل الكتاب، ولم أتواصل معه بعدها نظرًا لانشغال كل منا. وبعد فترة، أرسلتُ له غلاف الكتاب، وتفاجأ من جديتي في العمل على الكتاب.
كنتُ أفكر في كتابته كرواية، إلا أني قررتُ أن تكون مجموعة قصصية لأني مازلتُ أعتقدُ بأني غير قادرة على تأليف رواية كاملة. فالرواية ليست مجرد كلمات، وليست مجرد أحداث تكتب. عموما، هذه طريقة تفكيري في تأليف الكتب. الأحبار الفارغة موجودة في كل مكان، والمكتبات مليئة بها. فإما أن أكتبُ شيءًا يستحق الكتابة، أو لا أكتب من الأساس.
لم أواجه تحديات كبيرة في كتابة الكتاب. قد يكون التأكد من مصداقية القصص المكتوبة أحد التحديات. كما أن هناك تحديًا آخر، وربما لا يصنف من التحديات، هو ثقة الناس بي. كثيراً ما كنتُ أسمع: “من أين سرقتِ هذه القصص؟”
وكثيراً ما كان يُقال لي: “من يأخذ نصوصًا ليست له سيحاسب قانونيًا”.
يقولون لي كل هذا كما لو أني لا أعرف القانون ولم أدرسه ولم تُسرق نصوص كتبتها يومًا.
وكل هذا ينم عن عدم ثقتهم بي، وكان هذا يؤلمني كثيرًا في البداية. أما اليوم، لم يعد يعنيني، فوحده ربي يعلمُ بأني ما كتبتُ هذه النصوص إلا بكل مشاعري ودموعي.
إن من أقرب القصص لقلبي من القصص التي كتبتُها في كتاب “الراقصون فوق السحاب”: “سكين ثنائي القطب”. رغم أنها كانت من خيالي ولم يحكيها لي أحد، إلا أني جمعتُ بها كل المعلومات التي أعرفها عن اضطراب ثنائي القطب، وحاولتُ أن أعيش حياة المصاب بهذا الإضطراب، فكتبتُها.
وقصة: “السم الشافي”. وهي تحكي قصة حياتي مع مرض السرطان.
لم أجد تفاعلًا كبيرًا وردودًا كثيرة، إلا أني اكتفيتُ بقارئتين ردة فعلهما كانت مختلفة تمامًا. الأولى: كانت تقرأ وتتواصل معي وتعلق على كل قصة، وهذا جعلني أشعرُ بسعادة كبيرة. والقارئة الثانية كانت طفلة أخبرتني بأن الكتاب ألهمها لتصبح يوما كاتبة.
سألتِني: كيف تشجعين الشباب الذين يواجهون تحديات مشابهة لتحدياتك؟
أجيبكِ يا صديقتي: النجاح لا يأتي على طبق من ذهب. العقبات هي أم الإبداع. ومن يواجه تحديات كتحدياتي، وربما أكثر مني، عليه أن يصبر وأن يكافح من أجل الوصول.
سألتِني: ما هي التغييرات التي تودين رؤيتها في المجتمع لدعم الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية؟
رغم الفعاليات التوعوية، ورغم وجود المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن المجتمع لا يزال يجهل كيفية التعامل مع ذوي الإعاقة.
تكثر المسميات في المحافل، “ذوي الهمم، ذوي القدرات الخاصة، ذوي الإبداعات المتعددة” وغيرها من المسميات والكلمات الرنانة كلها لا تغني ولا تسمن من جوع. قبل أن تقولوا ذوي الهمم، آمنوا بهممنا وأعطونا فرصًا لإظهار هذه الهمم وهذه الإبداعات. فنحن أيضًا لنا الحق في عمارة أرضنا الحبيبة كأقراننا من المبصرين.
تلقيتُ دعمًا كبيرًا من جمعية الكتاب والأدباء، حيث قامت لجنة كتاب وأدباء شمال الباطنة بعمل حفل تدشين لكتاب “الراقصون فوق السحاب”. وأنا ممتنة لهذه الجهود التي قاموا بها، وهذا الدعم أضاف لي ولكتابي الكثير.
كثيراً ما أُسأل: كيف كتبتِ الكتاب؟ هل بطريقة برايل؟
بالطبع لا، فأنا أكتب عن طريق برنامج الوورد في الحاسوب. وبعد الانتهاء من الكتاب، أقوم بإرساله إلى بعض الأصدقاء لأخذ آرائهم في النصوص، وبعدها أرسله إلى دار النشر.
سألتِني: هل تتطلعين إلى تحويل قصصك إلى أفلام أو مسلسلات؟
أجيبكِ: بالتأكيد، لا سيما قصة “سكين ثنائي القطب”. عرضتها على أكثر من شخص ليحولها إلى فيلم، ولم ينجح الأمر حتى الآن. ولكن نطمح إلى تحويل قصص الكتاب إلى فيلم أو مسلسل.
خارج عالم الكتابة، أخبرتكِ أعلاه بشغفي بالقراءة والإذاعة. أحاولُ تسجيل بعض الأعمال لنشرها في حسابي في الانستجرام. وما زلتُ أسجل حتى أصل إلى عدد لا بأس به من المقاطع لأقوم بتنزيلها في حسابي.
إن لعائلتي فضلاً كبيرًا في دعمي والوقوف بجانبي. فكل فرد من أفراد أسرتي يفعل ما يستطيع فعله لأجلي.
كل شيء يلهمني للكتابة. قد تلهمني قصة فيلم لأكتب عنها نصًا أو مقالًا. قد يلهمني موقف حدث أمامي. قد يلهمني موضوع نوقش في جلسة. ويستهويني جداً أن أجلس مستمعة أكثر من كوني متحدثة. فالحديث يفسد متعة اقتناص المواقف.
أحب كتب الأدب، لا سيما الروايات. أكتب في أدب الرسائل، ولكن لا أقرأ فيه الكثير.
أحب كتابات بثينة العيسى وأغرق في بحر بلاغتها. وأحب روايات شريفة التوبية وأشعرُ بأن كتاباتها شيء لا أمل من قراءته. بالإضافة إلى قصص عبد الوهاب السيد الرفاعي، ومحمود الرحبي وغيرهم من الكتاب المبدعين. أحداث الرواية المقروءة أهم من اسم الكاتب بالنسبة لي. قد أتذكر رواية قرأتها وأثرت بي، ولا أعرف اسم كاتبها.
فكرتُ كثيرًا في تأليف رواية، وكتبتُ الكثير من القصص التي ظننتُ بأنها رواية بيد أن أغلبها حبيس الأدراج. وبعضها ودعتني دون عودة حين توقف حاسوبي القديم عن العمل. وقليل منها أعدت كتابتها لتصبح قصة قصيرة من قصص “الراقصون فوق السحاب”.
سألتِني: كيف كان شعورك عند رؤية كتابك على أرفف المكتبات لأول مرة؟
عزيزتي، هل ستضحكين لو قلتُ لكِ بأن سؤالك أبكاني قليلاً؟
أبكاني لأني تذكرتُ حين لمستُ غلاف كتابي لأول مرة، حين كتبتُ عليه بطريقة برايل اسم الكتاب واسم الكاتبة لأضعه بين كتبي. لقد كان شعورًا مختلفًا تمامًا. كتبتُ يوما رسالة إلى مي زيادة قلتُ في أحد سطورها: “والفرق بيننا رحلتِ مخلِّفة كتبًا وذكرياتٍ وألمًا وآهاتٍ، أما أنا فلن تنصفني كتاباتي التي لا يقرأها سوى قليل من الأشخاص الذين أظنُ بأني أثق بهم رغم انعدام ثقتي في الجميع. أنتِ تكتبين علنًا ولا تخافين من الكتابة. أما أنا، ففي كل لحظة أتهاوى نصيًّا، أخبئ نصوصي في هواتف أصحابي. قد يحذفونها، وقد لا يلقون لها بالًا. أنصفتكِ الحياة التي أؤمنُ بأنها لن تنصفني يومًا، ففي نظرهم ما أنا سِوى فتاة منعزلة عن عالمهم.”
ولكن بعد أن لمستُ كتابي الأول، شعرتُ بأني سأكون يوما ما تمنيته، وجل أمنياتي اليوم أن أكتب رسالة جديدة إلى مي زيادة لأخبرها بأني أصبحتُ لا أخاف الكتابة علنًا، وبأنّ كتابي الأول “الراقصون فوق السحاب” موجود على أرفف المكتبات، وبأنّ الكثيرين قرأوه وعبروا عن إعجابهم به، وهذا من فضل ربي جل في علاه.
أخيرًا، أودّ أن أقول لكل من يقرأ هذا الحوار: لا تستسلموا لأحلامكم، وواجهوا التحديات، وكونوا مؤمنين بأنفسكم. فكل شخص منا لديه موهبة وقدرة على الإنجاز، مهما كانت الظروف صعبة.
تذكروا أنّه لا يوجد إنسان بلا عيوب، وأنّ الإعاقة ليست عيبًا، بل هي تحدٍّ نستطيع أن نتغلب عليه ونحقق النجاح.
آمنوا بأنفسكم، واجتهدوا، واصبروا، وسوف تصلون إلى ما تريدون.
ومن القلب شكرا لك عزيزتي صفا ولصحيفة النبأ الالكترونية على هذا اللقاء الرائع.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights