سليمان بن حمد العامري
إن من خاب وخسر هو الذي أدرك رمضان ولم يُغفر له.
وبهذا نستعين بكلمتين: الخسران والخيبة للمنان الذي ذُكر في الحديث الصحيح، قال النبيُّ ﷺ: (ثلاثةٌ لا يُكلِّمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذابٌ أليمٌ: المنَّان بما أعطى، والمُنَفّق سلعته بالحلف الكاذب، والمُسْبِل إزاره).
وتجدر الإشارة إلى أن كلمة المنان هي من الصفات الذميمة القبيحة التي توقع صاحبها في سخط الله وعذابه، وتجعله من الخائبين والخاسرين في الدنيا والآخرة، ولهذا قيل عند البعض أن المنان يتأوّل على وجهين: أحدهما من المنة، وهي إن وقعت في الصدقة أبطلت الأجر، وإن كانت في المعروف كدرت الصنيعة وأفسدتها. وقيل أيضاً المنّ: التحدث بما أعطى حتى يبلغ ذلك المعطى فيؤذيه، وهي من كبائر الذنوب.
ومن الجدير بالملاحظة أن عطاء الله الذي أعطي به المنان وسائر الخلق من المال والجاه والذرية، في بعض الأحيان يكون استدراجاً، فلا يسعنا الحديث في هذا المقام، فإني أوجزت حديثاً عن الاستدراج في مقال سابق وبإمكانكم العودة إليه.
وحريٌّ بنا أن نترك لك أيها القارئ النجيب البحث والتدبر في الجملتين اللتين يدلّ بهما غضب الله وهما: لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم، لعل التحقيق فيهما يغيّر ما بداخل مَن سلك في هذا الطريق، ويراجع نفسه متداركاً الأمر، وذلك لمن كان يرجو لقاء ربه أن يترك المنّ ويتنزه عنه، لِما فيه من الإثم وإحباط العمل، وأعظم من ذلك أن الله -عز وجل- لا يزكيه، ثم عاقبته العذاب الأليم.
ولذلك نطوي وجهة النظر هذه مستشهدين بآيات الله الكريمة في محكم كتابه، فقال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (264) [البقرة: آية 264.
وفي مقابل ذلك قال الله أيضاً مادحاً المنفقين الباذلين للخير الذين لا يمنون على من أنفقوا إليهم، وفي واقع الأمر إنهم ينسون معروفهم في الدنيا راجين من الله الأجر والثواب فقال -سبحانه تعالى- عنهم
{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} البقرة: آية 262.
