تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

وقفات تربوية (٥) [الودُّ بالودّ يُسقى]

ثريا بنت علي الربيعية

لا شك إنّ التودد وإظهار المحبة للناس ومعاملتهم بالحسنى من أبلغ القيم التي تنمي الألفة والتقارب بين أبناء المجتمع الواحد، وقد تعددت الأدلة والشواهد في ديننا الإسلامي الموجهة إلى إظهار مشاعر الودّ والرحمة بالآخرين وتقديرهم، فمن عظيم أسماء الله تعالى وصفاته أنه ودودُ بعباده، محبًا للطائعين، وكذا من تمعّن في سيرة نبينا الكريم -صلّى الله عليه وسلم- وجده مثالًا رائعًا للتودد إلى الناس بتواضعه، ولطفه، وحسن منطقه مع الصغير والكبير، وقد وصف الله عزّ وجل ذلك في الآية الكريمة: (فَبِمَا رَحْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ)- [آل عمران 159].

من ناحية أخرى، فإن الودّ وتعاملنا مع الطرف الآخر بالتأني والحكمة لمِن كمال العقل وحسن الخلق، وفي حديثنا هذا نستذكر الجملة البليغة: ( الودّ بالودّ يُسقى، والصدقْ بالصدق يْجزى)؛ فهي وإن كانت كلمات موجزة بيدّ أنها في الحقيقة تنطوي على أبعاد عميقة في تأسيس العلاقات الاجتماعية وترابطها؛ ويعّول عليها الكثير في الحفاظ على حبل المودة والتفاهم. لا سيما تتحقق واقعًا بحسن مصاحبة الناس، وتحمل أذاهم، واحتواء مشاعرهم، واحترام شخصياتهم مهما بدت متغايرة.

وهنا تجدر الإشارة إلى صورة العلاقات التي باتت قائمة على المصلحة بالمصلحة؛ فإرضاء الناس شكليًا أصبح هو المطلب في الواقع، وعُدنا نواجه دفقًا من المجاملات، طغت على جمال العلاقات بين الناس؛ فأصبح المبدأ المتعارف عليه المجاملة بالمجاملة، لا ننكر بالطبع إنّ المجاملة التي لا تتعارض مع مبادئ الدين ولا تضر بالآخرين تُعد محمودة، ناهيك عن أنّ اللباقة واللطف واحترام المسلم لأخيه المسلم من أهم مبادئ ديننا الإسلامي، بل أنّ المجاملة بالكلام الطيب، وتعزيز الطرف الآخر بالقول الصادق دون مبالغة، من شأنها أن تجعله مقبلًا بإيجابية على كل ما فيه خير ونفع للمجتمع، لكنّ هناك فرقٌ واضحٌ بين النفاق الاجتماعي الحاصل وبين المجاملة المحمودة التي تكون حفظًا للود ونقاء القلوب، حبذا لو كانت لمن هو أهلُ لها قولًا وفعلًا. أمّا أن تكون المجاملة في غير مكانها المناسب؛ كأن تكون إرضاءً لأشخاص ينشرون محتوى تافه -لا يحمل رسالة هادفة- بل ويبتدعون الباطل من عادات وسلوكيات مخالفة فهذا التودد بالتأكيد يعد مذمومًا؛ فهو مجاملات مزيفة لا تمت للصدق بشيء، وقد كثر الإطراء لهذه الفئات على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة من بعض المتابعين بشكل لافت، وتساهل الناس في الرد بكلمات الثناء لمن لا يستحقها من المشاهير والمؤثرين، وبلا شك يكون لها صداها السلبي على سلوك النشء المتابع وسلوكياته.

في المقابل، نجد أن القطيعة والتفرقة قد انتشر أمرها بشكل كبير بين الأرحام والأقرباء، وبدأ هذا الداء الاجتماعي يُصّدع بنية الأسرة بالدرجة الأولى؛ فصارت المصلحة والرد بالمثل هي المعيار الذي ينظر له في تقديم الواجب الاجتماعي والشرعي نحو الأقرباء، دونما النظر إلى قيمة البرّ والعطاء دون مقابل؛ فنسمع كثيرًا فلان لم يلبِ دعوتي، وفلان لم يزرنِ، وهكذا تتم ردات الفعل على مواقف صغيرة بمقاييس لحظية، دونما تمعن أو التماس الأعذار؛ مما يدفع بعضهم للخصام، وقد يكاد في الأسرة التي يجمعها بيت واحد ورباط واحد بين الأخ وأخيه خصام عميق؛ بسبب تضخيم الأمور، فيكثر العتب والجفاء، في حال كان بالإمكان تفادي ذلك بالتغاضي، والتودد بالمعروف، وجميل الظن بينهما.

خلاصة القول مما سبق: أن نسقي قلوب الآخرين بماء الودّ والكلمة الصادقة، حتى لا تذبل زهرة المحبة بالنظرة الضيقة، وتسوء تربتها بالحقد والجفاء، فما أحوجنا في أيامنا هذه إلى صناعة المحبة والمودة في مجتمعنا.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights