كتاباتنا بين الاهتمام والتجاهل
خلفان بن ناصر الرواحي
إنه من الجميل أن تجد من يعطيك من وقته ليقرأ لك ويعطيك حقك دون تكلف، ويستشعر مفردات حروفك ليفند المعاني والمغزى بين السطور؛ فنحن أصحاب القلم نعيش لحظات تفريغ المشاعر بيننا وبين ذاتنا كلما كانت لدينا مشاعر إيجابية وصادقة للتعبير عما تجيش به النفس تجاه أنفسنا والآخرين، أو عندما يكون لدينا إحساس لتقديم شيء جديد يفيد الآخرين؛ وذلك من خلال التعبير عن موقفٍ معين، أو تقديم رسالة للمجتمع بشكل يلامس الواقع الذي نراه من منظورنا الشخصي، وقد تكون كتاباتنا تقدم بعض الأفكار والرؤى التي تعكس مدى اهتمام القارئ والمجتمع لتقبّل الرأي الآخر الذي يمكن أن يؤدي إلى نتائج إيجابية في موضوع معين، إلا أننا نشعر في بعض المواقف بأن هناك تجاهلا وعدم الرغبة في القراءة من المتلقي، وهذا أمر قد يكون سببا لتوقف الكتابة الإبداعية لدى بعض الكتّاب نتيجة لذلك الشعور المحبط، أو نتيجة التثبيط من بعض القراء السلبيين الذين يرون ما نكتبه كلاما طويلا ومملا وغير منطقي، أو مجرد محاولة للنقد لتفريغ النصوص دون جدوى!
ولهذا فمن المهم جدا أن ندرك عظمة حضورنا تحت ظلال ذاتنا وغيومها الماطرة وأشجارها الوارفة الظلال، ونبقي حروفنا بمذاقها الذي نطمئنه أو من خلال ما نحتاجه ونعرفه من خلال المتذوق الفطن الذي يعطينا رأيه بصفاء وجمال روحه التي لا يمكن أن تكون مجرد كلمات عابرة أو مجاملة عاطفيّة؛ وهذا -بلا ريب- يكفينا سلاما واخضرارا لمواصلة العطاء لتدوم الحروف والكلمات والعبارات الصادقة منبعا وصفاء.
فهكذا هي الغيوم تُتبَع بالأثر على التراب، وهي حاجة وسقيا لتنبت خيرات وافرة على البسيطة رغم قساوة التضاريس ورغم اختلاف الأحوال في بعض الأماكن، وهكذا هو حال الكتابة عندنا، فلا ينبغي أن نلتفت إلى التجاهل من بعض المتلقين المحبطين وإن كان عددهم أكثر مما ينبغي أن يكون؛ فالعبرة ليست بالكثرة دائما، ولا بعدد الكلمات التي يمكن قراءتها، ولا يمكن الحكم على القبول والرضا من خلال مؤشرات عدد القراء وحدها، وإنما هي أيضا من معطيات ما تتلقاه من مداخلات أصحاب الفكر والمعرفة وإن قلّ عددهم؛ فالكتابة كما هو معلوم هي فِعل فِكري، حضاري، إنساني، اجتماعي، علمي، يمارسه الكاتب بمنتهى السهولة نتيجة المخزون الثقافي في محصلته وتعينه على السرد؛ لتساعد القارئ على توسيع مَداركه والاستمتاع بها كلّ حسب ميوله وتوجهاته.
لهذا نقول لكل كاتب؛ ” اعرف ذاتك، وعش معها صفاء نفسك في ذاكرة المواقف الجميلة التي تنبع من منابع الإبداع؛ لتسقي بها روح الأمل والتفاؤل الذي تعيشه معها، وانثر حروفك الصادقة على قلبك قبل أن تكون موجهة إلى غيرك؛ فإن أقنعت نفسك انتقل إلى مرحلة جديدة من الإبداع، وتجاهل الشعور بالفشل أو عدم الاهتمام من الآخرين لما تكتبه، ولا تهتم كثيرا بأقوال غير الواعين لمعاني الكلمات بين السطور…”.