الاستدراج ..
سليمان بن حمد العامري
ولا تَســــمع لبعضِ النّاس قولا
فبعض النّاس مَسلُوب الإرادة
يُـحـدِّث عـن أخـيه بغـير عـلـمٍ
ليَحظى بَعـدها شــرف الـرّيادة
ويَغتاب الـخلائق دون صدقٍ
يُبدل فـي الـحقائـق والشَّــهادة
يُفتش عن عُيوب النَّاس دومًا
يظنّ بذاك قـد نـال الـقيادة
‘عماد إبراهيم’
من عجائب الأمور أن ترى بعض الناس تُقلب ألسنتها ظلمًا وعدوانًا، وتجهد نفسها بجعل الباطل حقا والحق باطلا من أجل كسب تعاطف الناس.
فنرى اختلاط الطالح بالصالح، ونرى من عمي بصرهُ، ووقع في شباك الشيطان ومصيدته.
وإن ما نراه ويظهر لنا أن بعضهم قد نزع من قلبه الصدق، وطبع فيه نكتة سوداء؛ ولهذا يقال: إذا عجز القلب عن احتواء الصدق عجز اللسان عن قول الحق، ويظن أن ما يقوم به من فعل هو الصواب، وكيف لا؟ وهو ينعم بالخيرات، ويظن أن الله يحبه فيكرمه بتجديد النعم نعمة تلو النعمة دون استحقاق، فيظنه إحسانًا وهو خذلان، ولا يعرف معنى الاستدراج، فالاستدراج هو إدناء العبد من العذاب من قبل الله تعالى تدريجيًا من خلال تتابع العطاء الإلهي للعبد، بالرغم من استمرار بالمعاصي، فيزداد إثمًا وطغيانًا وظلمًا، وعند ذلك يأتي الأخذ المفاجئ، مستدلين في ذلك بقول الله عز وجل: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)) [الأنعام: آية 44]
وبهذا نطوي حديثنا بأن الله -سبحانه وتعالى- يبين أن
المستدرج مفتون لا يعلم بفتنته، فيجب على المسلم أن يتنبأ بأن كثرة النعم مع عدم الاستقامة، ليس شرطًا أن يكون علامة رضا.
فعليه أن يحذر ويراجع نفسه، فإن وُجد عنده تقصير أو عصيان.
وفي مقابل ذلك فإن صاحب الحق لا يبحث عن حقه بين الناس، ولا ينام على غل، ولا يسعى إلى الطمع، ولا يسابق إلى السلطة، وإنما جلّ همه واهتمامه في الخير والبر والحق والصدق والمروءة قاصداً وجه ربه ذي الجلال والإكرام.