حينَ بعثرتنِي “رسائلَ من تحتِ الأرضِ” لدستويفسكِي
مريم الجابرية
يدايَ ترجفانِ، وأصابعيَ أبتْ أنْ تجتمعَ لتقلبَ هذهِ الصفحةَ. أغمضتُ عينايَ وأخذتُ نفسًا عميقًا، تلتهُ تنهيدةٌ طويلةٌ.
ماذا حلَّ بي؟
لطالما عشتُ أقلبُ صفحاتِ الكتبِ بكلِّ سلاسةٍ، بخبراتِ قارئةٍ نهمةٍ وكاتبةٍ تعشقُ الحروفَ، وأمينةِ مكتبةٍ تسكنُ جلَّ يومِها بينَ الكتبِ.
أخذتُ نفسًا آخرَ، عليَّ أنْ أنتهيَ منْ هذا. إنَّهُ كتابٌ عظيمٌ.
للتوِّ أنهيتُ فصلَ الاختناقِ تحتَ الأرضِ، شعرتُ بحقارةِ الفأرِ فيهِ. أشعرُ بأني أريدُ أنْ أتنفسَ سريعًا فوقَ الأرضِ.
للحظاتٍ تخالطتْ مشاعري معَ مشاعرِ الكاتبِ والفأرِ، لمْ أعدْ أميزُ شيئًا. عليكَ أنْ تقرأَ كتابَهُ هذا وأنتَ محصنٌ نفسيًا.
لذلكَ عاودتُ التنفسَ مرةً أخرى، الآنَ حيثُ الشخصياتُ والأحداثُ بدأتْ تظهرُ، وكذلكَ الأصواتُ في روايتِهِ. الحمدُ للهِ! أنَّ عمقَها لا يزالُ كما هوَ رغمَ مرورِ أكثرَ منْ قرنٍ على إصدارِها.
ألهبتْني نارٌ في نهايةِ الروايةِ وجعلتْني أطالعُ اللاشيءَ! شعرتُ بأنَّها ثقيلةٌ جدًا حينَ أغلقتُها.
حاولتُ وضعَها على الرفِّ ونسيانَها، لكنَّني لمْ أجرؤْ على فتحِ كتابٍ آخرَ بعدَها.
لا زلتُ في مرحلةِ التعافي منْ باطنِ الأرضِ الذي عشتُ فيهِ. وأنا الآنَ أكتبُ عنها، أدونُ أنَّها كانتْ كتابًا فارقًا فيما قرأتُ مؤخرًا.
كأمينةِ مكتبةٍ، سأعيرُها سريعًا بشرطِ أنْ أرى القارئَ وملامحَهُ وكيفَ ترتجفُ يداهُ حينَ يقلبُ صفحاتِها.
فنتشاركُ المصابَ الجللَ معًا.