تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

الرابطة الوهنة

خميس البلوشي

الرابطة الوهنة، هي العلاقة الزوجية التي تقع بين سنداني إقرار “إمساك بمعروف” أو قرار ” تسريح بإحسان”، وذلك تأكيدًا لقوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} ( سورة البقرة: 229). ومطرقة تشريع الشارع في قوله تعالى {فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۗ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} ( سورة البقرة: 230). وذلك إذلالًا لتلك الأنوف التي تتعامل مع هذه الرابطة بعدم تقديرها واحترامها.

ففي عالم العلاقات الإنسانية، العديد من العلاقات القوية منها والوهنة، تبرز علاقة الزواج كأحد أبرز وأعقد الروابط التي تتشابك فيها مشاعر المودة، والحب، والمسؤولية، والتضحية. إنها تلك الرابطة التي تتموضع بين سنداني إقرار “إمساك بمعروف” أو قرار “تسريح بإحسان”، وتلك المساحة التي يتجلى فيها مفهوم الرحمة والتفاهم والتسامح. إنها الرابطة الوهنة، التي تُذكرنا دائمًا بحقيقة التشريع الإلهي،

هذه العلاقة ليست مجرد تفاعل بين شخصين وترابط مادي كأي جزء من الكيان البشري، بل هي نظام متكامل من الأخلاقيات والقيم النبيلة التي تحددها ضوابط دينية واجتماعية. فالطلاق، الذي قد يُنظر إليه كخاتمة طبيعية لفشل العلاقة الزوجية، ويحمل في طياته دعوة واضحة للحفاظ على المودة والرحمة حتى في لحظات الفراق. هذا التشريع الرباني يمنح الزوجين فرصة لتقييم العلاقة وإما السعي للحفاظ عليها بالمعروف أو الانفصال بإحسان، متجنبين بذلك الضرر والمعاناة.

وفي ذات السياق، يُشدد التشريع الإلهي على أهمية العدل في التعامل بين الزوجين، حيث يقول الله تعالى: { وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (البقرة: 229). هذا التأكيد يعكس مدى حرص الشارع الحكيم على أن تكون العلاقة الزوجية مبنية على العدل والإنصاف، وعدم استغلالها لتحقيق مصالح ذاتية على حساب الطرف الآخر.

إن التعامل مع الرابطة الزوجية بفهم عميق وإدراك شامل لأبعادها، يتطلب منا إدراك فلسفة الحياة الاجتماعية وما يتعرض له الفرد من تبعات ومشاغل أسرية. الزواج ليس فقط اتحاداً بين شخصين، بل هو بناء لأسرة تكون اللبنة الأولى في المجتمع – وهذا ما سنشير إليه لاحقا – . وعليه، فإن الاهتمام بتلك الرابطة والعمل على تعزيزها وصيانتها من العوامل التي تساهم في استقرار المجتمع ككل.

لا شك أن الحياة الزوجية مليئة بالتحديات والصعوبات، ولكنها في الوقت ذاته تحمل في طياتها فرصاً للنمو والتطور الشخصي والاجتماعي. إن التوازن بين الحقوق والواجبات، والقدرة على التواصل والتفاهم، هي مفاتيح النجاح في هذه العلاقة. ويظل الاحترام المتبادل والتقدير الصادق هما الأساس الذي يُبنى عليه أي زواج ناجح ومستدام.

ونستلهم حكمة بليغة تقول: “إن الزواج الناجح ليس هو الزواج الخالي من المشكلات ، بل هو الزواج الذي يتعلم فيه الزوجان كيف يمران بالمشكلات معًا ويخرجان منها أقوى وأكثر تفهمًا.” هذه الحكمة تلخص الفلسفة العميقة للرابطة الوهنة، وتجسد روح التشريع الرباني الذي يسعى لتحقيق السعادة والاستقرار في الحياة الزوجية.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights