هل يُصلِح المسؤول ما أفسدته بيئة العمل؟
حمدان بن سعيد العلوي
مدرب في الإعلام والعلاقات العامة
بيئة العمل تتشابه من موقع لآخر ولا يختلف إثنان على أن هناك الكثير من المشكلات التي قد تعيق إنجاز العمل،حيث تختلف المستويات بين الموظفين تحكمها عدة أسباب من ضمنها المستوى التعليمي والعمر وكذلك الجنس والثقافة العامة إضافة إلى بيئة الحياة العامة والأسرية.
كلٌ في موقعه حسب التدرج الوظيفي له رؤية ومنطق مختلف ومن تخصص لآخر هناك اختلاف . إن ما يثير الجدل هو انتشار الإشاعات وبث سموم الفتنة بين الموظفين وكلٌ له مآرب مختلفة وأهداف يطمح إلى تحقيقهاِ
في بيئة العمل تختلف الشخصيات من موظف لآخر، فمنهم المتعصب لرأيه ومنهم المتردد ومنهم صديق الجميع ومنهم العدائي وآخر لا يهتم إلا لمصلحته.
كثيرٌ ما نسمع ونرى من تحزبات في بيئة العمل تحكمها الغيرة وأخرى تشتكي من ظلم المسؤول، دعوني أقف عند نقطة الغيرة فهي سبب رئيسي لعدم التوافق بين الموظفين في بيئة العمل ومن هنا تنطلق مأساة الإحباط بقيادة المحبطين.
الإحباط يقود إلى الاحتراق الوظيفي وهنا عليك كمسؤول إدراك أن العمل لن يسير كما تشاء بدون المساواة بين الجميع، فإن شعر الموظف بالظلم رغم محاولة إثبات ذاته وإظهار جهوده لكنه وجد نفسه ليس في دائرة المجيدين في نظر المسؤول قد يصل إلى الاحتراق الوظيفي.
إذن للمسؤول دور مهم وبارز ولكن هل يستطيع تحقيق ذلك إذا كانت البطانة غير صالحة لا تقدم النصح والإرشاد؟
طبعًا لا ولكن هنا هو المسؤول ومن يتحمل ذلك لوحده فهو القائد الذي يجب عليه موازنة الأمور بعيدًا عن العاطفة التي تتحكم في سلوكه، فلو طبق المسؤول مبدأ المساءلة والمحاسبة على المقصرين والثناء والمكافأة لفئة المنجزين المصلحين لصلحت الأمور نوعًا ما ولكن هل يستطيع تحمل ذلك بمفرده؟
إن ما يثير الجدل هو السكوت على الممارسات الظالمة والمحفزة لبيئة العمل المشحونة، فبعضهم يطبق قاعدة فرق تسد وبعضهم يطبق قاعدة الصعود على أكتاف الغير وقليل من يحاول الإصلاح والسعي نحو العدل والمساواة.
التفرقة بين موظف قريب وأمام العين وبين موظف بعيد عن المركز يثير هذه الظواهر أكثر وتنتشر الفتنة وعدم الرضا والاستياء، نجد في غالب الأحيان أن الموظف القريب من مركز القيادة (الموقع الرئيسي للمؤسسة) يتحصل على المكافآت والثناء والمشاركات الداخلية والخارجية بمختلف مستوياتها بينما الموظف البعيد (محلك سر).
هناك مدير يُدير وهناك مدير يُدار وآخر يدور حول نفسه وللإنصاف هناك مدير يحاول أن يكون عادلًا رغم عدم صلاح البيئة المحيطة.
المدير الذي يُدير هو القائد الملهم الذي يبحث عن الإنجاز بالتحفيز والعدل والإنصاف فهو متمكن في إدارته للأحداث، متزن في القرارات لا يتحدث ب أنا ولا يبحث عن رفع اسمه قبل فريق عمله فنجاحه ينسبه لفريق العمل ولا يتقدم خطوة واحدة بدون الفريق الواحد ومعرفة أن المصير واحد.
وهناك مدير يُدار سلم نفسه للمقربين منه يديرونه كما يشاؤون فهو لا يرى بعينه بل يرى ما يراه فلان وعلان ولا يتخذ أي قرار جريء بل ينتظر من يوجهه نحو القرار ولا يتحمل المسؤولية بل يلقي بها على غيرهِ.
مدير آخر يدور حول نفسه هو المتردد لا تجد منه حقًا ولا باطلًا يخاف من اتخاذ القرار ويفكر كثيرًا حتى لو كان على حساب غيره لا يهتم إلا بالبحث عن الأمان والحفاظ على كرسيه.
المدير القائد لا يهتم لمصلحته قدر ما يهتم للاستقرار في بيئة العمل يبحث عن الإصلاح لتكون بيئة العمل صالحة للعمل بعيدًا عن الشحن والضوضاءِ محفز منجز يتكلم بصيغة الجمع.
هناك بعض الشخصيات من تعمل على التفريق بين الفريق الواحد فتبث السموم والإشاعات هذه الشحصيات تحب المدح كثيرًا نرجسية لدرجة الإفراط متعالية على الجميع فيها حب السلطة والتملكِ.
وهناك أنماط عديدة ومختلفة من الموظفين أخطرهم (السوسة) أو كما يطلقون عليه (العصفورة) وهو من يتجول من مكتب لآخر يبحث عن الأخبار لينقلها من موظف لآخر دون استثناء. يصل به الحال عندما لا يجد أخبار لينقلها أن يقوم بتأليف قصصًا وهمية من رأسه فقد أصبح هذا الأسلوب لديه عادة لا يستطيع تغييرها فقد تطبع بها.
وهناك من هو نصير للمظلومين يتحمل الأعباء ويخطط لغيره لكي يعلو من شأن الضحية ولو كان بيده شي لنفع نفسه أولًا ولكن لا عتب عليه فالعتب على من يصدقه ويتبع خطواته فنهايته معروفه فهو لا يتقدم إلى الأمام محبط لنفسه ولغيره.
وهناك الموظف (سوبر ستار) أو كما يقال عنه (بتاع كله) وبمصطلح آخر (كلش فيه معلوم) فهو يمتلك الحلول وليته يحل أزماته قبل أن يحل مشكلات غيره فيزيد الطين بله وتعقيدٌ بسبب أفكاره المدمرة.
وهناك من الصامت الساكت عن الحق (الإمعة) وكثيرٌ ما نراه (كلمة تجيبه وكلمة توديه) وأيضًا هو يطبق مقولة (معاهم معاهم عليهم عليهم) وينطبق عليه المثل العربي الذي يقول (ربيع من خطف أو ربعة بوش) يتخلى عنك بشكل مفاجئ. مرتبك دائمًا ليس لديه قرار أو رأي واضح.
ومنهم الخبير المتفحص الناقد لا يرضى عن شيء ولا يقتنع بأي شيء ولا يمكن أن يتنازل عن رأيه فكل ما تقوم به المؤسسة فاشل وكل من يعمل مخطئ يشجع على التسيب وعدم الإنجاز ولا يرى أي نجاح في كل الأحوال.
في هذا المقال لا أشير إلى أحد بأصبع الإتهام ولا أعني مؤسسة بعينها ولكن نتاج ممارسات أثيرت وتحدث لي بعضا منها فهي نماذج حية بمختلف المستوياتِ.
السؤال هنا كيف نرتقي بمؤسساتنا نحو تحقيق الإنجاز وتجويد العمل في ظل وجود بيئة غير محفزة؟
بالطبع الإجابة المتوقعة هي أن يتم تحسين بيئة العمل ولكن كيف؟
الجواب هو:
أولا: الخروج من الطاقة السلبية بإدخال السعادة في قلوب الموظفين بمختلف المستويات وعمل ملتقيات وفعاليات ترفيهبة بين فترة وأخرى لتجسيد التقارب الفكري بين الموظفين وكسر الحواجز بين الجميع.
ثانيًا : تحمل المسؤولية والمحاسبة لجميع من يبثون الفتنة ونشر الإشاعات والتركيز على المصلحة العامة قبل المصلحة الشخصيةِ.
ثالثًا : العمل كفريق واحد مع مراعاة عدم تداخل الأعمال بالتوزيع الصحيح بين أفراد الفريق.
رابعًا : النظر بعين الاعتبار (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)،
لا للمحاباة والتفرقة بجميع أنواعها. العمل والإنجاز هو الفيصل وخدمة العمل لا لخدمة المسؤول.
الصداقة خارج أسوار العمل ،أما الزمالة هي المبدأ خلال ساعات العمل، احترام وجهات النظر وعدم وضع اعتبارات إن لم توافقني الرأي فأنت ضديِ
خامسًا : استخدام الذكاء العاطفي واحتواء الجميع والوقوف بجانبهم وتحمل اختلافهم والاستماع لآرائهم والبحث معهم عن حلول للمشكلات التي تواجههم.
سادسًا : إتقان مهارة فن الاتصال بجميع أنواعه فالاتصال هو أساس نجاح أي عمل ومحاولة الابتعاد عن التشويش والتظليل لكي يتم فهم جميع الأطراف.
سابعًا : المراقبة المستمرة للسلوك وعمل استبيان وأخذ رأي الجميع والجلوس في اجتماعات ودية والإنصات لهموم الموظفين ومحاولة تدارك أي خلاف قد يحدث.
ثامنًا : العمل شراكة ومشاركة الجميع جزء من إعطاء الموظف نوع من تحمل المسؤولية فكلنا شركاء نحمل هدف واحد ونسعى للرقي باسم المؤسسة والوطن وبهذا نرتقي جميعا والمصلحة واحدة.
تاسعًا : عدم التركيز على كل شيء فما تركز عليه يتسع والعمل بنية خالصة دون التشكيك في أحد وإعطاء الثقة للجميع فلا نجاح دون ثقة والثقة تأتي من تقدير الآخر وبعدها تقدير الذات.
عاشرًا : أخيرا أوصي نفسي وأوصيكم مراعاة الله في كل تصرف وكل كلمة قد تؤثر على علاقات الموظفين ببعضهم ومراعاة أن ما تقوم به وتفعله أنت محاسب عليه أمام الله.
راجع نفسك وحاسبها قبل أن تتبلد فيك المشاعر بموت الضمير. حاول أن تنشر الفرح والسعادة وأن يكون ضمن أعمالك اليومية فالكلمة الطيبة صدق وإماطة الأذى عن الطريق صدقةً.