أمة اقرأ.. عازفة عن القراءة (٤)
خلفان بن ناصر الرواحي
قال أحد الحكماء:”السيف والقلم حاكمان في جميع الأشياء لولاهما لما قامت الدنيا وما انتظم أمرها من المعاش”. لقد كان اهتمام المسلمين العرب القدامى بالقراءة والكتابة واقتناء الكتب، وقرنوها في كثير من الأحيان بالسلاح ويذكرونها معه، فقد روي عن المهلب ابن أبي صفرة أنه قال لبنيه: “يا بني: إذا وقفتم في الأسواق فلا تقفوا إلا على من يبيع السلاح أو من يبيع الكتب”، وذكر الجاحظ في كتابه “الحيوان” عن المهلب أيضاً، أن المهلب قال لبنيه: “يا بني لا تقوموا في الأسواق إلا على زراد أو وراق”. والمقصود بالزراد هو صانع الدروع.
نعم، لقد بلغ الحال في محبة المسلمين لكتبهم أن جعلوها لقبًا ينتسبون إليه، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، أسرة السادة آل الكتبي، وهي أسرة هاشمية معروفة، منهم العلامة السيد (أمين كتبي) رحمه الله، الذي كان مدرسًا بالمسجد الحرام، وهناك أيضًا أسرة (كتب خانة) فقد كان جدها أمينًا لمكتبة الحرم المكي.
كما تروي بعض كتب التاريخ أن هناك من العلماء والمثقفين من كان يمتنع عن إعارة كتبه؛ وذلك بسبب خوفهم عليها، فيعدونها مستودع علمهم ومعارفهم، ومنهل ثقافتهم، وهي أنسهم؛ بينما ما نراه اليوم أن كثيرا من الناس لا يقدرون الكتاب حق قدره، إما استخفافًا بمن أعاره لهم، وإما لقلة مبالاتهم بذات الكتب! غير أنه يجب علينا أن نعي الفرق بين من قد يستفيد من الكتاب ويقدره ومن قد لا يستفيد ولا يعيره اهتماما؛ فالأول جدير بأن يعار، وأما الثاني فلا، وبلا شك أن هناك من كان وما زال مراعيا ذلك التقدير.
لا يخفى على أحد أن الكتب هي مظهر من مظاهر الأمم الحضارية، بل لعلها أهم تلك المظاهر وأبعدها أثرا في ثقافتها والمقياس الأول لنبضها وحيويتها، فهي الكنز الذي يضم ثمرات عقول أهل العلم والمعرفة وإبداعاتهم في مختلف جوانب الحياة؛ لذا فمن الطبيعي أن تحتل الكتب المكانة الرائدة في حياة الشعوب والأوطان، وأن تلعب الدور الأساسي في المسيرة البشرية نحو التمدن السياسي والاجتماعي والتقدم الاقتصادي.
ولتنمية إعادة القراءة في مجتمعنا، فإن الأمر بطبيعة الحال يحملنا جميعا المسؤولية من أجل الإسهام في تحقيق أهداف وإبداء الرأي لوضع الخطط المبنية على الدراسات النظرية والميدانية لنعمل جميعاً على نشر إعادة القراءة في أوسع نطاق ممكن. ولكون أن المؤشرات التي تطرقنا إليها في هذا الأمر فإنه يحتم علينا البحث في الجذور -أي جذور المشكلة- لوضع العلاج المناسب والملائم لها، علماً بأن مسألة العزوف عن القراءة ليست مشكلة الشباب وحدهم؛ بل هي مشكلة المجتمع بأسره، وربما كان تركيزنا على هذه الفئة بالذات، لكونها الجهة المعَول عليها لتطوير المجتمعات وتقدمها.
وهذا ما سوف نتحدث عنه في الجزء التالي والأخير بحول الله تعالى.