الأسرار الخمسة لنجاح عثمان بن عفان في التجارة
إبراهيم بن علي الشيزاوي
نشأ عثمان بن عفان في كنف أبيه عفان بن أبي العاص، ذاك الرجل التاجر الثريّ الذي كانت قوافله التجارية تجوب مصر والشام قبل أن تعود للحجاز محمّلةً بأنواع شتّى من السلع، وبعد وفاة عفان بن أبي العاص ورث عنه ابنه عثمان التجارة وسار بها على النحو الذي كان عليه أبوه.
عُرفَ عثمان بفطنته وبرجاحة عقله، فكانت قريش تستشيره في شؤونها وحلحلة مشاكلها، كما أنه كان جواداً كريماً ينفق أمواله في أوجه الخير وإعانة الفقراء والمحتاجين، هذا وهو لم يسلم بعد.
أسلم عثمان رضي الله عنه حينما كان في عمر ال ٣٤ عاماً بعد أن دعاهُ ابو بكر الصدّيق إلى الإسلام، فكان رابع من أسلم من الرجال، وقد لقي من قومه مثل الذي لقيهُ غيره ممن أسلم.
خرج عثمان رضي الله عنه مهاجراً إلى المدينة، ولم يأخذ معه إلا الشيء اليسير من أمواله بسبب الحصار الذي فرضته قريش على تجارته وأملاكه، وما لبث غير قليل حتى بدأ تجارته من جديد في المدينة المنورة، فتكاثرت أمواله، وازدادت أملاكه، واستطاع أن يُكَوِّنَ ثروة هائلة في فترة وجيزة، فسُئل رضي الله عنه عن سرّ بناء هذه التجارة الناجحة الرابحة، فأجابهم بإجابة تُكتب بماء الذهب، وهي تُعدُّ بمثابة القواعد الصلبة لكل تجارة منذ ذلك الزمن إلى يومنا هذا، قال: (كنت أُعالج، وأُنمي، ولا أزدري ربحاً، ولا أشتري شيخاً، وأجعل الرأس رأسين) ماذا يعني هذا؟
١- كنت أُعالج: أي متابعة العمل والوقوف على الأخطاء وتصحيحها، وعدم الاستسلام للإخفاق المؤقت، فالتجارة تحتاج إلى صبر وعدم يأس، والتاجر الناجح هو الذي يكافح الفشل ليقف بعد كل سقوط.
٢- أُنمّي: جزء بسيط من الفائدة يُستخدم كمصروف شخصي وادّخار، أما جزأه الأكبر فيستخدم في تنمية رأس المال المُسْتَثمَر والأعمال التوسعية، وهذه القاعدة يؤكد عليها خبراء الاستثمار في العلم الحديث، كما أنها لا تكاد تخلو كتب التجارة منها؛ إذ لابد لعملية التنمية أن تستمر حتى وإن كانت بنسبة بسيطة سنوياً، وذلك من أجل تعزيز التواجد في السوق، وبالتالي توسّع هامش الربح التراكمي عاماً بعد عام.
٣- لا أزدري ربحاً: لا تستصغر الربح، فالفائدة القليلة خيرٌ من كساد المُنتَج أو بقاءه على الرفوف وفي المخازن وقتاً طويلاً.
لذلك نُشاهد في بعض الأحيان عروض البيع بالتخفيضات في المتاجر الكبيرة، إنهم يطبقون نفس الفكرة، يبيعون الموجود بفائدة بسيطة وذلك تجنباً لكساد المنتج وفساده، وبهذا – أيضاً – يكسبون زبائن وسمعة أكبر.
٤- لا أشتري شيخاً: كان رضي الله عنه يدرس السوق دراسة عميقة، فلا يدخل في نشاط تجاري واسع الانتشار وشديد المنافسة، بل كان يدرس حاجة السوق ويتطلع لكل ما هو جديد ليعطي قيمة مضافة للعميل و المستهلك.
وللأسف أن البعض يظن أن التجارة مجرد تقليد، لذلك نلاحظ في أحيان كثيرة تحدث طفرة لمشروع معين، ما إن تلبث حتى نرى لوائح معلقة على الأبواب (المحل للبيع).
أدرس السوق جيداً حتى لا تضطر لبيع مشروع تجاري بذلت فيه الكثير من الجهد والوقت والمال.
٥- أجعلُ الرأسَ رأسين: وهو ما يعرف حالياً بتنويع الاستثمار وإدارة المخاطر، إذ أنه من الذكاء المالي أن تضع رأس المال في عدة استثمارات بدلاً من استثمار واحد ضخم، وكما يقال:
“لا تضع البيض في سلة واحدة” وذلك تجنباً للخسائر الكبيرة التي قد تنشأ لأسباب خارجة عن الإرادة أحياناً، مثلما حدث أثناء جائحة كورونا، حيث أنه لم يستطع الصمود أمام تلك الأزمة الصعبة إلا التاجر من ذوي الاستثمارات المتعددة والمتنوعة.
خمسة أسرار من تاجر كان احد أعظم الأثرياء في زمانه – عثمان بن عفان رضي الله عنه – قد لا تجد مثلها صراحةً في مكان آخر، وهي أسرار بمثابة خارطة طريق لكل من يريد بناء تجارة ناجحة بإذن الله.