تريّث قبل إصدار الأحكام..
فؤاد آلبوسعيدي
قال جبران خليل جبران وهو من شعراء وأدباء العرب في المهجر وهو رسّام كذلك في العصرِ الحديث.. (أسوأ مسافة بين شخصين هي سوء الفهم) وأيضا قال..(ما أجمل أن يكون لديك إنسان يحسن الظن بك ويغفر لك إن أخطأت ويلتمس لك العذر إن أسأت له)، بينما قال كارل يونغ وهو من علماء علم النّفس..(عَانيتُ كثيراً وبما يكفي من عدم الفِهم ومن العُزلة التى يقعُ بها الكثيرُ من الناسِ ، عندّما يتحدثون عن أشياء لا أحد من المحيطين بهم يفهمها)..،
أعزائي..أحياناً يحدث أن نفتقد التواصل مع من نحبّ فيحدث أن يضيع تماماً ذلك الرِّباط الذّي كان يشدّنا ويجمعنا في جسدٍ واحد مع أخِلاؤنا وقد لا يكون ذلك في كلّ الأحوال بسبب تغير يحدث في مشاعرنا وليس كذلك ضرورياً أن يكون بسبب إرتباطنا وإنتماؤنا بأشخاص آخرين دخلوا في عوالمنا ثمّ وقفوا كحواجز بيننا وبين أحباؤنا، في العادة عند انفصال روابط الوصل مع أحباؤنا نقوم بتصرفات دون تفكير للعواقب، تصرّفات قد تكون حمقاء دون أن تؤدي نتيجتها إلى أي حلول تعيد لنا ما فقدناه، ولكن إنْ أمْعنّا التفكير وعصرناه وبقليلٍ من البحث قد نستنتج بأنّ مآلات الأحداث قد وقعت بسبب وجود الخلل في فهم الجانب والطرف الآخر وهو الأمر الذي قد يؤثر في معدّلات ونسب العشق والرومانسية (كيميائية الحبّ) التي تعمل كروابط تربطنا بأولئك الأخِلاّء والأحباب فهي تكون المسبِّب الأكبر لظهور بؤرات التصدّع الباردة التي تدمّر ما نملكه ويسكننا من المشاعر والأحاسيس.
كنت قبل أيام في حديثٍ وديٍّ مع أحد الأصدقاء الذي إلتقيت بعد غياب طويل نوعاً ما، وكان ضمن ما أخذتنا الأحاديث إليه أنْ أخبرني بأنّه خلال الفترة الماضية التي ربّما تقارب أو تزيد عن عدد أيام الأسبوعين، حدثت أمور لم تبعث في النّفس شيئاً عدا الأسف والضّيق، أوضاع إنتكست بسرعة رهيبة بعد أن كانت جميلة، وهي نَتُجت بسبب تغييب العقل عن بعض الأحداث الواقعة فعلاً.
صديقي استمرّ في حديثه بقوله..نعم أقولها بنبرةٍ تعيسة ممزوجةٍ بالحزن والأسف بأنه أحياناً عندما تكون رغبات البعض منّا ونحن نقوم بإتخاذ بعض القرارات المصيرية والمهمة مرتبطة بالمزاجية والعناد تجاه أحدهم وتكون الصورة الحقيقية مغيبة عنّا فبالتأكيد سيكون الناتج عن ذلك هي الخسارة للجميع، نعم للأسف فأحياناً وبسبب سوء وعدم براعة قراءة ما بين السّطور ولعدم الدّراية بظواهر الأمور الغائبة فعلاً عن أعيننا وكذلك عدم كفاية وعي مداركنا حول ما يجري وما كُتب أو ما يُكتب من حروف مُبْهمة هنا وهناك في تلك الوسائل التواصلية المختلفة، يصادفنا فجاةً أن نفقد ونُخاصِم أو يُخاصمنا أناسٌ أحببناهم.
إستمرّ صديقي وأسهب في حديثه فقال..أحياناً نخسر علاقات كانت طيبة برباطها مع الآخرين في محيطنا، خلال تلك الفترة التي ذكرتها لك مُسبقاً في بداية حديثنا هذا خسرت بالخصام الجائر ودون أيّة مقدّمات علاقتي وصداقتي العزيزة والغالية جداً مع أحد الأشخاص الأعزاء الذي كان يجمعني معه صراحة وثقة متبادلة بين كلينا، كما وكانت له مكانة مميزة وعالية في رقيّها وخاصة جدّاً في قلبي وإني لَأجزم بإنه كان في المقابل يبادلني بنفس الموضع في قلبه، كلّ ذلك ذهب هباءاً منثوراً.
أحياناً نحن البشر نخطئ في الحكم السّليم على الآخرين فنخسرهم ويخسروننا، صداقات وأخوّة وصلات جميلة من رحم القرابة والدّم تنقطع وتُذهِب عنّا بعضاً من أولئك الذّين نحبّهم ونعزّهم في قلوبنا فقط لمجرّد قرائتنا الغير عادلة في حكمها لما بين السّطور والحروف وأيضاً نظرتنا الخاطئة الغير أكيدة لما قيل لنا ولهم، نخسر من يحبّوننا فقط لأننا أو أنّهم لم نكن ذوي براعة وإجادة في تحليل وتفسير ما جرى من أمور.
اليأس والإحباط العميق قد يصيبنا أحياناً في حالات نجد فيها مشاعر الأحباب قد تغيرت فجأةً دونما إشعار، وفي المقابل قد نكون في حالة من الفرحة عندما نعلم ونكتشف الأسباب التي أدّت إلى ذلك التنافر الذي رأيناه في أحباؤنا تجاهنا، وللأسف قد لا نعلم كيف نقوم بمعالجة ذلك العيب في وقته، وقد لا نكون بارعون في إغلاق الفجوات أو إيجاد حلقات وصلٍ مناسبةٍ تعمل على ترميم المتشقّق من العلاقات المتعثرة أصلاً ممّا يؤدي ذلك إلى استمرار الحال على ما هو عليه وتحدث معه أمور لا تليق بصفو الوصل بين الأخلاء فيستمرّ الصّراع.
نُحبّ من نحب ونَعشقُ من نعشق..، هي أمور تسكن قلوبنا لأننا أردنا وجودها ورغبنا بها لتسيل كأنهارٍ جارية مع جريان الدماء في قلوبنا، ولكن من المناسب أن نعلم ما يأخذنا إلى أقصى مواضع الإستقرار في تلك الحالات لتكون قلوبنا عامرة بالودّ والحبّ الصادق، كما أنه عند وجود بوادر الخلافات من الضروري أن يعرف طرفا العلاقة ما يلزم لمعالجة وتصفية الأجواء، وقبل ذلك يجب معرفة الخيط المهترئ والسلك المقطوع بينهما الذي يشعل نيراناً من كلّ شرارة بسيطة.
في بعض الأحيان وعندما نقطع علاقتنا بأحدهم خصوصا من كنّا نحبّه ونعزّه، قد نشعر ويعترينا الإحساس القوي بالزهو والفخر وكأننا وصلنا إلى القمر وإستعمرناه، ولكن في الحقيقة الأمر نكون قد فقدنا شخصاً عزيزاً علينا، شخص كان ذي مكانة رفيعة وكان بالإمكان معه أن نتريث أكثر قبل إصدار حكماً بالإعدام دون رحمة على روح الصداقة والقربى والصحبة والأخوة المتأصّلة، فنحن ربّما سنندم كثيراً وربّما قلنا بعدها..(كان بالإمكان أفضل من ما كان) ولكن بعد فوات الأوان.
ومن هنا لا أجد سوى أن أدعوكم ونفسي على التّريّث والحِلمِ قبل إصدار الأحكام التي قد تؤثر في علاقاتنا مع غيرنا من الناس سواءاً في محيط الأسرة أوالجيرة وكذلك في أماكن عملنا، فما قد يُهدم اليوم ربّما من المستحيل أن يُعاد بنائه من جديدٍ غداً.