أطفالُ سمد الشأن أحياءٌ يُرزقون
فوزي بن يونس بن حديد
abuadam22f@gmail.com
فقدت سمد الشأن التابعة لولاية المضيبي بمحافظة شمال الشرقية عدداً من أبنائها الطلبة في يومٍ مَطير جاء بعد الإعلان عن منخفض جويّ يمرّ على سلطنة عُمان، وكم هو مؤلم جدّاً ما رأينا من مقاطع فيديو ينفطر لها القلب حُزناً على فقدان هذه الأنوار المشعّة التي دأبت كل صباح على حمل محافظِها للجلوس على مقاعد الدراسة، ممتطيةً الحافلات في مشهدٍ جميل رائع، ترى فيها ابتسامة الصغير وهو يلوّح لك بيده تحيةً لك عند الخروج من منزله، وعند الدخول مرة أخرى بعد الرجوع.
في ذلك اليوم المشؤوم، حيث قضى الله تعالى أن لا يأتِ ذلك الطفل المُبتسم مرة أخرى إلى البيت ليحيّيك أحسن تحية، لقد توارى عن الأنظار فجأةً، بعد أن داهم الوادي مركبته، لقد كان فرِحاً بالذهاب للمدرسة كعادته، لقد كان هنا وهو يهمس في أُذني، لقد كان مستبشراً بيومٍ جديد بعد أيام العيد الزاهية، لكنه لم يدرِ ما الذي كان سينتظره، لا يدري أن المنيّة ستأخذه على حين غِرّة، كانت نظرتُه وداعاً أخيراً، وكانت بسمتُه تعلق في ذاكرتي وستبقى إلى حين حيّةً مُشرقة، سيبلغ صداها كلّ من رآه ومن مرّ عليه.
آلمني مشهد الأطفال الذين هم في عُمْر الزّهور يُشيَّعون إلى مثواهم الأخير بعد أن عُثر عليهم متوفين، آلمني ما رأيتُ وما سمعتُ، وآلمني ألم أهاليهم الذين رضوا بقضاء الله وقدره، وفوّضوا أمرهم لله، داعين الله تعالى أن يبعد عنهم وعن الجميع كل مكروه وكل سوء.
ليس هناك ألمٌ أقوى من أن يفقد المرء ابنه في حياته، وليس هناك من فقْدٍ أقوى من هذا الفقدِ الأليم، ولكن الأمر كلّه لله، نحتسب أمرهم لله، ونحسبهم شهداء في جنّات الخُلد بإذن الله تعالى، وتبقى ذكراهم عالقة في النفوس، تأبى أن تُمحى حتى لو حاول الإنسان أن يخفّف من المُصاب، فالمصيبة عظيمة على أهل الدّار، وعلينا جميعاً أن نخفّف عنهم بمواساتهم ودعوتهم للصبر والاحتساب.
أطفالُ سمد الشأن رأيناهم كما لو لم نرهم من قبل، وعرفناهم بعد أن استُشهدوا في وادٍ جرى فيه الماء، أسماؤهم مرّت بين أعيننا، وصوَرهم التصقت بقلوبنا، داعين الله تعالى أن يرحمهم رحمة واسعة، ويسكنهم فراديس الجنان ويلبسهم لباس المغفرة والرضوان، ويُلهم أهاليهم وأسرهم جميل الصبر والسلوان، وما عسانا أن نقول إلا إنا لله وإنا إليه راجعون.
أطفالُ سمد الشأن، ذهبوا لطلب العلم فجاؤوا شهداء يحملون رائحة الموت، وذهبوا للمدرسة للتعلّم فجاؤوا في أكفان بيضاء للدّفن، تركوا قلوباً مكلومة ونفوساً حزينة، وأيدٍ متضرّعة لله تدعو لهم بالرّحمة، فللّه ما أخذ ولله ما أعطى وما منح.
صورٌ تُدمي القلوب وتُحفر في الأذهان، وذكرياتٌ حزينة يذكرها التاريخ ولا ينساها على مدى الأزمان، ومشاهد عسيرة مرّت على أهاليهم وأسرهم، نسأل الله أن يخفّف عنهم مصابهم الجلل، ويُبعد عنهم وعنّا جميعاً كل ضرر، ويحفظ عُمان وقائدها وشعبها من كل مكروه ومن كل سوء، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.