سلطنة عُمان تحتفل بالعيد الوطني الرابع والخمسين المجيد المجيد
Adsense
مقالات صحفية

صوم الأمْس وحساب النفس

د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي

يوْشِكُ شهر الصّوم على الرّحيل بعدما كنّا ننتظر مجيئَه على شوْك وشوْق، وها هو الآن يعلن لحظات انتهاء دورته السنوية التي تحيي النفوس وتغذي القلوب والأبدان، وما ترك الصوم بابًا إلا وقرعه؛ داعيا إلى التقوى والتوبة؛ موضحا أن الأيام تمُرّ عَجْلى، وتنقضي سِراعا، لافتًا النظر إلى الإفاقة من السهوة والإقلاع عن الشهوة، ولمّا كانت الأيّام محدودة والأعمار معدودة؛ فإنّ من الدروس المستفادة من الصوم كما أشار المولى عز وجل في قرآنه بقوله تعالى: {…أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ…}- [سورة البقرة، من الآية: 184]. أن يكون العبد الصائم قد استفاد من أيام صومه نفسيا وجسميا وعقليا وروحيا، ويقول أبو بكر الصديق: “إنّكم تغدون وتروحون إلى أجَل قد خَفَى عنكم عِلمُه فإنِ استطعتم أن لّا يَمضي هذا الأجل إلا وأنتم في عمل صالح فافعلوا”.

وقد أمر المولى عز وجل بضرورة العمل على محاسبة النفس ومراجعتها، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}-[سورة الحشر، الآية: 18]. إذ لا بد من التذكرة أن يكون للعبد المسلم الصائم وقفة مع ذاته، وقفة صادقة يزن فيها مقدار ما قدم من أعمال ويقيس فيها مسافات مضت ومسافات قادمة، فيقف على أعتاب الوصول إلى قرار حكيم ينقذ به نفسه من جرم التسويف، ومن ثم الرجوع والإنابة.

إن الصائم الكيِّس الفَطِن لَهُوَ الشخص السوي الذي يتسم بالحكمة والروية والتفكر العقلاني الإيجابي، والذي يقرر بنية صادقة حساب نفسه على فعل الخيرات وترك المنكرات وكتابة حياة جديدة مليئة بالهمم، داحضة لغبينة النفس ومكرها، والاطلاع على عيوبها وإزالتها، والندم على ما فات وتدارك ما هو آت، وبذلك يتحقق انكسار العبد لربه ومجاملة النفس ومحاسبتها على تفريطها، وكما قيل: “من لم يطلع على عيب نفسه لم يمكنه إزالته”. وأخيرا فإن من الضرورة بمكان بيان أن القيام بمحاسبة النفس لا يصدر إلا من نفس سوية مطمئنة إيجابية باحثة عن حلول تحب المواجهة ولا تتوجه للهروب، واعية ومتفتحة، فلا نَحرم أنفسنا أن نكون من هذه النفوس؛ بُغية العيش بطمأنينة وأمان وسلام داخلي، وطمعا في مرضاة الربّ العليّ، والوصول لباب الرّيان وأعاليَ الجِنان، ونهاية لكلّ عاقل أنْ يعقد جلسة مع النفس ونداء للقلب والروح، والوقوف على أعتاب المحاسبة الذاتية، ورؤية تحقق المقصود من صوْمه وشَهرِه من عدمه، فهي الوجه الصحيح لتمام التمام، وتحقيق الهدف المنشود من الصوم وهو التقوى، والبشرى كل البشرى لمن صام واتقى وأدى وارتقى، ومن رأى نفسه قد قَصّر وتخاذل فليتبْ وليبحث عن الكفارة، ويعزم على الرجوع والإنابة، وليستغفر الله لما مضى، وليتقِ الله فيما بقى، وليحاسب ذاته وكينونته وشخْصَهُ.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights