رمضانيات اليوم الحادي والعشرون: راقبوا أنفسكم لنيل رضاه سبحانه
خلفان بن ناصر الرواحي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،
فيا أحبتي في الله، يقول الله تعالى في كتابه العزيز: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}- [التحريم:6], ويقول سبحانه: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)}-[سورة:ق]. فما ألطفه من توجيه ربَّاني عظيم! لو استحضرناها-تلك الآيات القرآنية- في كل حركاتنا وسكناتنا؛ لأصبحت أكبر رادع لنا عن الوقوع في الغيبة والنميمة، وكثير من المعاصي والعياذ بالله.
نعم، لقد جعل الله على ابن آدم حافظين في الليل, وحافظين في النهار, يحفظان عليه عمله، ويكتبان أثره.
فيا أيها المؤمنون الأتقياء، علينا أن نقف عند كل آية من آيات القرآن الكريم التي تشير إلى تلك اللطائف والتوجيهات حتى تكون لنا رادعاً وعونا على اجتناب الوقوع في المحظورات، ولنعلم أنّ لكل منا ملائكة يحصون ويكتبون ما نقول وما نفعل، وعلينا أن نستعد ليوم الفزع الأكبر، ولنتدبر سورة الانفطار على سبيل المثال لا الحصر؛ حيث يقول تعالى : {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ ﴿1﴾ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ ﴿2﴾ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ﴿3﴾ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ﴿4﴾ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ﴿5﴾ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴿6﴾ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴿7﴾ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴿8﴾ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ﴿9﴾ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ﴿10﴾ كِرَامًا كَاتِبِينَ ﴿11﴾ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴿12﴾ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴿13﴾ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴿14﴾ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ ﴿15﴾ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ ﴿16﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ﴿17﴾ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ﴿18﴾ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا ۖ وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ﴿19﴾}. صدق الله العظيم.
ما أعظمها من سورة جامعة تتحدث عن يوم القيامة ومشاهده، وما يحصل فيه من الأهوال والأوجال، وتخاطب هذا الإنسان الضعيف المعرض، الكافر المكذب الغافل، تخاطبه بخطاب التوبيخ، وقد خلقه الله سبحانه وتعالى في أحسن صورة، وفضله على كثير من خلقه تفضيلا، ولم يدرك أن الله سبحانه وتعالى هو العليم والرقيب والحسيب، وأن هناك ملكين يحصيان كل صغيرة وكبيرة!
فيا أيها الإنسان، هل تدرك طريقك إلى الجنة أم إلى النار والعياذ بالله؟! بلا شك ذلك أمر غيبي ولا تسطيع أن تجيب عنه، ولكن عليك أن تختار طريقك الذي إلى يوصلك إلى بر الأمان، والفلاح، ورضاه سبحانهُ؛ الذي يرشدك إلى المصير الذي أنت متجه إليه، فهناك طريقان مختلفان، طريق الخير وطريق الشر؛ فإما إلى جنة عرضها السموات والأرض، وإما إلى نار تلظى. يقول سبحانه وتعالى في سورة الحديد: {سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)}, ويقول:{فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّىٰ (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ (21) }- [الليل].
وروى الإمام أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم: (كُلُّ أُمَّتِي تَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا مَنْ أَبَى قَالُوا: وَمَنْ يَأْبَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)-رواه الْبُخَارِي.
فيا أيها الصائمون الأتقياء؛ جاهدوا أنفسكم في سبيل الجنة، فقد أنذر سبحانه عباده ناراً، لا يذوق شدتها إلا الأشقياء من خلقه؛ ممن كذبوا بكلمات الله ورسله ورسالاته وشرائعه وتولوا عنها معرضين، وينجو من هذه النار عباده الأتقياء الذين قصدوا وجه الله وأخلصوا في العبادة والعطاء، وزكوا أنفسهم باجتناب المعاصي وفعل الطاعات وإصلاح العيوب وعلاجها حتى طهرت الأنفس وتزكت، وأخلصوا لله العمل والقصد والنية؛ فأرضاهم الله بكرامته، فالله سبحانه يأمر المؤمنين أن يقوا أنفسهم وأهليهم عذاب الله، وإن كان جميع الناس مأمورين بهذا، لكن المؤمنين لهم خصوصية؛ لأنهم أعلم الناس بالله، وأقومهم بحقه، وأرعاهم لحدوده؛ فلهذا خاطبهم كثيرا سبحانه بالأوامر التي يأمر بها، ومنها ما قاله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}-[الأحزاب:70]، وقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}- [آل عمران:102]، وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}-[التوبة:119]. وغيرها الكثير والكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة.
رزقنا الله وإياكم الجنة وما قرّب إليها من قول وعمل، ونجانا الله من النار وما قرّب إليها من قول وعمل. آمين.