رمضانيات اليوم الرابع: الأعذار المبيحة للفطر وما ينبغي اجتنابه
خلفان بن ناصر الرواحي
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وبعد،،،
فقال الله تبارك وتعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}- [سورة البقرة:286]، وهذا بعد قوله تبارك وتعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}- [سورة البقرة:285]؛ فهكذا نرى لطف الله بعباده، إنّه لا يكلف نفساً إلا وسعها، وإن صيام رمضان واجبٌ على المسلم، البالغ، العاقل، القادر على الصوم، والمقيم، مع السلامة مما يعذر منه الصائم كالحائض والنفساء.
فمن لطف الله بعباده أباح لهم الفطر في رمضان عند العذر، ونذكر هنا منها ما يلي:
– المرض:
وذلك لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر}-[البقرة: ١٨٤] . والمراد به المرض المعتبر الذي يلحق صاحبه ضررا، أو مهلكة؛ ففي هذه الحالة يجب عليه الفطر، لقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥] . وقوله – صلى الله عليه وسلم: (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ)- رواه أحمد وابن ماجة. فإن كان غير ذلك عليه، فلا يجب، يجوز له الإفطار.
– السفر:
فإن كان المسافر يشق عليه الصوم مشقة شديدة؛ فيجب عليه الفطر، وإن كان الصوم لا يشق عليه مشقة شديدة ولكن مشقة غير شديدة، وكان الفطر والصيام عنده سواء فهو مخيرٌ بين الصوم والفطر؛ وذلك لقوله – صلى الله عليه وسلم: (إِنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ)- رواه الشيخان.
ولعموم ذكر قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥] . وقوله – صلى الله عليه وسلم: (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ)- رواه أحمد وابن ماجة فقد أجيز للحالات الثلاثة الآتية أيضاً الإفطار وهي:
أ- الحامل والمرضع:
وذلك إن خافتا على أولادهما أو خافتا على أنفسهما فيجب عليهما الإفطار، ويلزمهما القضاء إذا أفطرتا.
ب- الكبير في السن: الذي فَقَدَ عقله فلا يجب عليه صوم ولا إطعام؛ لأنه غير مكلف، أما الكبير الذي لم يفقد عقله ولكنه يعجز عن الصوم، فإنه يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً.
ج- إذا خاف الصائم على نفسه الهلاك:
وذلك إن كان بسبب جوع شديد أو عطش شديد؛ فيجوز له الفطر بما يُذهبُ ذلك عنه، وعليه القضاء.
– أما الحيض والنفاس:
لا يصح الصوم مع وجود أحدهما، لقوله – صلى الله عليه وسلم – في المرأة: (أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ)- رواه البخاري.
ومع وجود هذه الرخص فإنه يتوجب على الصائم الآتي:
– أن لا يتعرض للفطر عمداً، أو لما يفسد صومه، ومنها المبالغة في الاستنشاق عند الوضوء، وقد روي عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال لأحد الصحابة: (…وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا)- رواه أهل السنن وأحمد.
– المسافر سفراً محرماً ليس له أن يترخص للفطر، فإن الرُّخَص لا تُستباح بالمعاصي، ولقوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٤٢].
– عليه أن يلزم لسانه، وعدم الخوض في أعراض الناس، ومنها الغيبة والنميمة والكذب والنفاق وغيرها من الأمور الأخرى التي تفسد الصيام، لقوله تعالى: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا}-[الحجرات:12]. ولقول النبي-صلى الله عليه وسلم:(من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)-رواه الإمام البخاري، ولقوله- صلى الله عليه وسلم-: الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم)- متفق عليه.
والله المستعان، وهو ولي المتقين.