مطعم الحياة
طه جمعه الشرنوبي
في أحد أيام الخريف الهادئة، كنت جالسًا في مقهى صغير يطل على نافذة زجاجية تفتح الأفق لمشهد الشارع المزدحم. الناس يمضون بسرعة، وأنا هنا ألاحظ تفاصيل الحياة التي قد تفوت العديد. وفي هذا السياق، تتسلل إليّ فكرة أن الحياة مثل المطعم، حيث لا يغادر أحد دون أن يدفع.
في هذا المطعم الكبير الذي يسمى “الوجود”، يدخل الجميع ليتناولوا وجباتهم المختلفة. هناك من يختار الطعام الفاخر، ينغمس في طهي الحياة بكل ألوانها، ويتذوق من كل نكهاتها. وهناك من يتردد في اختياره، يبحث عن الوجبة المثلى ويتردد في التقاط القرار.
المقهى يمتلئ بضجيج الأحاديث وضحكات الزوار، وأنا ألاحظ كيف يتفاعلون مع القائمة المتنوعة من تجارب الحياة. يأتي الضيوف بوجباتهم الفريدة، وكل واحد يحمل صحنه المليء بلحظات الفرح والتحديات.
ولكن بينما يستمتع بعضهم بتذوق حلاوة الحياة، يظل هناك واقفًا عند الباب شخص يتأمل القائمة. يعرف جيدًا أنه يجب عليه دفع الثمن، ولكنه يخشى ما قد ينتظره في نهاية الوجبة. يتردد بين الحسم والتردد، ويغادر المكان دون أن يتناول طبقه.
في هذه اللحظة، أجد نفسي أفكر في كلمات “الحياة مثل المطعم”، وكيف يجسد هذا المطعم كل مشاهد الحياة. إنها مزيج من الاختيارات والتحديات، حيث يجب علينا جميعًا أن ندفع الثمن، سواء كان ذلك بالفرح أو التحدي.
الحياة تمتزج بالتباينات، وكل واحد منا يقاسم هذا المأدبة الضخمة بطريقته الخاصة. إنها مغامرة لا نعلم نهايتها، ولكن يبقى علينا أن نواجهها بشجاعة وتقدير. قد نختار أطباقًا تجلب لنا السعادة، أو قد نواجه تحديات صعبة، ولكن في النهاية، ندرك أن الدفع ليس فقط بالنقود، بل بالتجارب والتعلم والنمو.
وهكذا، وسط صخب المقهى وتنوع الوجبات، يبقى العنوان يتردد في ذهني: “الحياة مثل المطعم، لا أحد يغادر دون أن يدفع.” إنها قاعدة لا نستطيع تجاهلها؛ فالحياة، كالمطعم، تعلمنا أن نقدر كل لحظة وأن ندفع الثمن بكل ما نملك، في سعينا لتجربة مذاق الحياة بكل مكوناتها.
وفي هذا السياق، يبدو أن مطعم الحياة يقدم لنا وجبات مختلفة في كل مرة نجلس فيها على طاولته. فقد يكون الحب هو الطبق الرئيسي الذي يأسر قلوبنا برفقته بالسعادة والأمان، أو ربما تكون التحديات والصعوبات هي الأطباق الجانبية التي تضفي نكهة الصمود والنضج على رحلتنا.
ومع كل غمرة في تلك الأطباق المتنوعة، نكتشف أن لكل واحدة منها لحظة فريدة ودرسًا قيمًا. قد تكون الفشل هو التوابل الذي يضيف الحكمة، والفرح هو الحلوى التي تشعرنا بالامتنان.
في لحظات الهدوء وسط زخات الضجيج، نجد أنفسنا نعكس على قائمة الحياة. نتسائل عن الطعام الذي اخترناه والأطباق التي تركناها خلفنا. قد يكون هناك ندم أو فخر، ولكن في النهاية، فإننا ندرك أن كل طعم يساهم في بناء تجربتنا الفريدة.
وكما يفرغ الزبون جيوبه من النقود لدفع ثمن وجبته، ندرك أنه لا يمكننا الهروب من دفع ثمن تجربتنا الحية. إنها مشروعية لا يمكن التنصل منها، ومن خلال هذا الدفع، ننمو ونتطور.
لذلك، عزيزي القارئ، أثناء رحلتك في مطعم الحياة؛ اختر طعامك بحذر، واستمتع بكل لحظة. قد تكون هناك تجارب مريرة، ولكن يجب أن تكون هناك أيضًا لحظات من الفرح والرضا. دفع الثمن لا يكون فقط بالتضحية، بل يشمل أيضًا تقدير اللحظة الحالية وتقبل ما تقدمه لك الحياة بسخاء.
إذا كنت ستغادر المطعم في نهاية اليوم، فافعل ذلك برأس مرفوع وقلب ممتن، ففي نهاية المطاف، يُدفَع الثمن لنا جميعًا، ولكن يظل لنا الخيار في كيفية تذوق وجبتنا وكيفية استيعاب دروس كل طبق.