تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

وقفات تربوية(1) [زاد العقول]

ثريا بنت علي الربيعية

مما استوقفني ذات يوم حديث دار بيني وبين إحدى الأخوات حول أهمية القراءة؛ بينما كنت أتعاهد صفحات كتاب بين يدي، لتبادرني برأيها أنّ القراءة محددة بأجل الاختبارات فقط، ولا جدوى حقيقية من شراء الكتب في ظل الحياة الرقمية، فتساءلت في نفسي لبرهة هل يمكن أن تكون قراءتنا للكتب لمجرد الاختبار فقط؟، أو ربما تكون بمثابة حفظ لنصوص أدبية في مسابقة عابرة ثم يُطوى أثرها!، ومن المرجح أن هذا الموقف يمثل جزءًا من الواقع الذي نسير عليه بعد أن حصرنا ثقافة القراءة في مصالح وقتية، ولم نعطها الأبعاد الحقيقية في زوايا يومنا، في حين يسابقنا نتاج العصر دفقًا هائلًا من التقنيات المتطورة، ووسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة كمًا وكيفًا، ولا مناص من القول: أنها باتت تحاصر العقول من كل صوب وحدب؛ لتعصف بنا رياح الاتجاهات الدخيلة بما تحمله من غزو فكري ثقافي وانعكاسها على سلوك أجيالنا، ولا يمكن احتواء ذلك إلا بالفكر النقي، الذي ندرك به حقيقة ما يُصّدرُ إلينا بموضوعية تامًة.

وفي ضوء ذلك فإننا بحاجة إنسانية إلى ثقافة القراءة؛ باعتبارها زاد العقول الذي يحمينا من شوائب الأهواء الغربية، لا سيما ما نشاهده من ضعف وتخاذل أمة اقرأ، التي أُمرت في بداية قيامها بواجب العلم والقراءة، كما تضمنه قول الله ﷻ:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)}- [سورة العلق]. فضلًا عن ذلك فإنّ القراءة الواعية تقيم للمسلم العودة إلى نهجه القويم، وتمسكه بعزته وحقوقه؛ فعالمنا الإسلامي بأكمله أمام قضايا سياسية كبرى يحتاج أفراده إلى التزود بالثقافة، والأخذ بوسائل الحصول على المعرفة الصائبة؛ التي تصنع له القوة التي تحصنه من تيارات الهيمنة، وتبلور فكره وقيمه على الثبات، وبالطبع هذا لا يتأتى إلا بالتسلح بمعينات العلم والوعي المعرفي.

بناء عليه فالقراءة عنصر أساسي لا تكميلي؛ إذ هي معول للتعبير عن الرأي، والكشف عن الحقائق المغيّبة عنا، وهي الباب الواسع الذي ينهل منه الأدباء والكتاب، لدعم قدراتهم نحو الإبداع، ومن المفارقة أن يكرس أحدنا ساعات وقته لمتابعة الرسائل والدردشات بينما لا يسع وقته لقراءة مقال نافع على المواقع الإلكترونية؛ ولتوافرها ويسر استخدامها فقد هيأت لنا مجالًا رحبًا للاطلاع على كنوز المعرفة على شبكات الإنترنت.

في محصلة الأمر فإننا نعاني من ضمور كبير في ثقافة القراءة، فالقضية ليست عدم القراءة مطلقًا بل الأهم منها نوعية المحتوى الذي يتابعه الجيل الناشئ، والتأثر سلبًا به، مما يؤدي إلى زعزعة كيان القيم والهمم نحو التقدم؛ وبالتالي يتوجب على رواد التربية -من واضعي المناهج والمعلمين والآباء الموجهين- ضرورة غرس ثقافة القراءة في أجيالنا منذ الصغر إلى المراحل الجامعية؛ بإعداد المناهج التعليمية المتضمنة للقراءة كسلوك إيجابي عملي، وكذا الإرشاد للمنصات الإلكترونية التي تضم المراجع القيمة، وبالتالي زيادة الوعي بأهمية الحوار، والمناظرات الهادفة لتعزيز هذه القيمة كعادة اجتماعية حضارية.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights