تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

والْحَرْبُ المَلعُونةُ..في القُرآن!

عبدالحميد بن حميد بن عبدالله الجامعي

يُصِرُّ البشرُ للأسف في محلهم المؤقت هذا، وركنهم متناهي الصغر بالنسبة للكون الشاسع والكبير أن تستعر بينهم الحروب، وأن يُرَوُّوا الأرض بدمائهم، الأمر الذي علمت الملائكة يوم خلق الإنسان كرهَ الخالق له، فخاطبته به متعجبة ” أتجعل فيها من يُفسدُ فيها ويَسفكُ الدماء”..والذي أكده الخالقُ في آخر كتبه، القرآنِ الكريم، فكانت الحربُ ملعونةً عنده، وكان الله جل وعلا لها بالمرصاد، ” كلما أوقدوا نارا للحرب أطفئها الله”…

إن الله يطفئ الحرب بلطائفه المتعددة، وبما يلقي في روع عباده مما يدفع ناحية مقاومة الحروب وقيامها، لأنه علم مدى الفساد المتولد من وراءها، هلاكا للحرث والنسل، ونسفا لمقومات الحضارة، ودمارا للإنسان فيها، واليوم العالم يرى بأم عينيه، وبوسائل التواصل المتقدمة لِمَ يكره الله إقامة الحروب، ويصرحُ بأن إطفائها واجب..

إنَّ الربَّ الخالقَ في بيانه يتكلم عن عقيدة ضمن جماعة دينية سماوية، قد لا تستغرق أفراد الجماعة كلها، فقد أبان أنه كما منهم مثلُ هؤلاءِ الظلمةِ والمستهترين بالأمانة والقيم والإنسان خلاهم على اعتبار عقائدي؛ (مَنْ إِنْ تَأمنْه بدينارٍ لا يُؤدِّه إليك)، فمنهم خلافُهم ممن يخضعون للعدل وقيم الإنسان على أساس فطري، وقد ابتدأ بهم؛ (مَن إن تأمنه بقنطار يُؤدِّه إليك)، ويظهر أننا نعيش الأوائل في صورة الصهاينة الجدد، والذين يؤسسون عقيدتهم وكيانهم على ضرورة إقامة الحروب لضمان تفوقهم العسكري، وهيمنتهم، وضعف الدائرة حولهم، بناء على تفوق عنصرهم (نحن أبناء الله وأحباؤه)، ووضاعة الناس من غيرهم، وخدمتهم لهم (الأغيار حسب توصيفهم)، مما يضمن لهم إدارةَ القرار، والسيطرةَ عليه، وتوظيفَه لمصلحتهم..

اليوم أصحاب ذات العقيدة الحُروبية يقومون بذات الدور الذي أشارت إليه الآية، يوقدون نيران الحروب، ويورونها، تحت أغطية مختلفة، ذات لمعة عادلة؛ ثورة ضد نظام فاسد مزعوم، أو دون لمعة؛ فقط هوى وغطرسة، كما هو واقع فلسطين المحتلة وواقع أهلها، وأرضها المغتصبة وقيام المستوطنات عليها، ضاربين بقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن عرض الحائط خلال سبعين سنة، منذ نشأة الكيان الغاصب في فلسطين سنة ١٩٤٨م..

اليوم طبول الحرب تقرع من ذات العصابة بشكل توسعي، مستغلة السياق المجنون باعتلاء الرئيس الحالي للولايات المتحدة الرئاسة، لتكمل على حضارات ما بقي مما يسمى بالشرق الأوسط ودوله، بعد خراب العراق وسوريا وفلسطين ومصر وليبيا واليمن، فهي الآن تتوجه نحو إيران، والتي تمت شيطنتها في عين جيرانها، فصدَّقوا ذلك، وتقبلوا أن تكون إيران، وهي جارتهم الأبدية والأزلية، مع ما يربطهم جميعا من تاريخ وتراث مشترك بتقاطعاته، تقبلوا أن يعدوها العدوَّ الأولَ، وقد تكون عمليا وفعليا العدوَّ الأوحدَ، بعد التماهي الأخير والمعلن “نهارا جهارا” مع الكيان المحتل لفلسطين..وتمثل ذلك بالسلام والانفتاح مع الاحتلال في فلسطين من جهة، ومن جهة أخرى بتدمير البنية التحتية والسياسية والقومية العربية عبر إشعال الحروب ضد بعض دوله بمجرد الظنة أنها ظهيرٌ لإيران، وحليفة مقربة إليها…دون تأسيس لخطر تلكم الأحلاف -إن صحت- المباشر على دول الوطن العربي..ودون دليل ظاهر على تحقق ذلكم الخطر وثبوته..ودون محاولة فعلية صادقة لاختبار الباب الآخر، والجهة المعاكسة، بطرق باب الحوار والتعاون والتكامل بين ضفتي الخليج، بين العرب وإيران.

إن ما يقلقنا ليس هو الخوفَ على إيران، وهو خوفٌ مقدرٌ على أي إنسان أو حضارة -ما كانت- من الخراب والدمار، ولكنِ الخوفُ على المحيط كاملا بدوله، بلِ الخوفُ على الإنسان في الدول العربية وغير العربية، في أوروبا وفِي أمريكا وفِي روسيا والصين، فشرَرُ الحرب متطاير، متى بدأت فلن تُكبح إلا بعد ألمٍ يقاسيه الإنسان باختلاف عرقه ودينه ولونه وجغرافيته، يقاسيه الإنسان البسيط الذي ليس له في القرار ولا في الحرب دور، بينما يُحرسُ ويُحفظ مشعلوا الحروب في سراديبَ وقصورٍ خوفا عليهم من رصاصة طائشة تنالهم، وقد عاشت الإنسانية نير حربين عالميتين في القرن المنصرم، وكانت أولهما قبل مائة سنة من الآن تقريبا (١٩١٤) ونحن مصادفة في ٢٠١٩، أودتا بحياة ملايين البشر، وأبادتا قرى بأكملها، وكانت الأسلحة يومها بدائية، بالنسبة لأسلحة اليوم المتطورة والفتاكة…

إن الانسان في إيران، كما في أمريكا وأوروبا، وفِي فلسطين المحتلة يستحق العيش بسلام بعيدا عن عبث هذه العصابة المصرح بها في كتاب الله الخالد أنها موقدةٌ للحروب الملعونة، والتي ما وجدت في عصر وجغرافيا ككيان ودولة، وكان لها الصدر فيه إلا وعمدت الى أواصر جسده فقطعته وفتنت بين أهله، وخلخلت وحدته الوطنية ونسيجه القومي والأمن الجمعي، لتضمن الهيمنة المطلقة لها، من ثم ربما كتب عليها التفرقُ في العالم، ووجودُها جزءا من مكون الدول المختلفة، وعدم امتداد أطول دولة لها اكثر من أربعمائة سنة في فترة الألف سنة قبل الميلاد (مملكة إسرائيل الموحدة ١٠٠ سنة، مملكة إسرائيل الشمالية ٢٠٠ سنة، مملكة يهوذا ٤٠٠ سنة)، لأنه ثبت أن جمعهم بلاء على أنفسهم وعلى العالم، تاريخا وفِي عصرنا المعاش، واندماجهم في دول العالم كمواطنين خير لهم وللعالمين.

إن ما يدور اليوم من حشد عسكري في الخليج العربي أو الفارسي -أيَّاً ما تدعو-، إن هذا التصعيد المسلح ينذر بويل حرب قادمة، لا سيما وأن قادة هذه الحرب “دولاريون” (من الدولار)، فمنهم من يمتلك الأسلحة ويريد المتاجرة -مع كونه طرفَ أزمة في الشرق الأوسط- منذ احتلال فلسطين، ومنهم من لديه الأموال ومستعد أن يدفع التكلفة، مع عدم احتساب الأخيرة لحقيقة الألم الذي سيلم بها جراءها لو وقعت الحرب، فوافق بذلك “شنٌ طبقة”، “شنٌ” المهووس ذو الترسانة المسلحة الفتاكة، والمتاجر بها على حساب الإنسان والقيم والأخلاق، فلا إله عنده الا الدولار، وما أدل من انسحاباته من معاهدات ذات صبغة أمنية (معاهدة الحد من انتشار الأسلحة)، وقيمية بيئية وإنسانية، “وطبقةُ” المستعدة لغسل “المواعين”، ودفع التكلفة “دولار ينطح دولار”، ومهما حاولت طبقةُ التخفي، فشنٌ الأهوج يفضحها بخباله وتصريحاته الخالية من أي أتيكيت أو دهاء، والمفعمة بكل معاني اللامبالاة حد الغباء..

إننا نعيش اليوم عصر البلطجة السياسية، وعصر القطبية والإمبريالية الأحادية الهوجاء، وقد ذهب عصر الكياسة والدبلوماسية، وعصر البرلمانات والبروتوكولات والرزاحة، واحترام القرارات الجمعية، فقد ضرب الڤيتو الرئاسي في أمريكا “ترند” في مواجهة العمل الديمقراطي الرصين في أمريكا بمجلسيه، كيف لا تكون بلطجة، وحلبات المصارعة توثق خلفية الرئيس الأمريكي وبيئته التي نشأ فيها، ومن قبلها أسرته التي كومت ثروتها من وراء اضطهاد المرأة وعبوديتها والاتجار بها، لتنتقل تلك البلطجة الى البيت الأبيض، والإعلام والشارع، فتعصف بمجلسي النواب والشيوخ، وتعصف بالعالم من وراءهم، وتستثير بلطجيات مشابهة حول العالم، بأشكال مختلفة، ضد الأفراد والحريات والشعوب، تعبث بالعالم وسلمه وأمنه، وتعبث بإنسانه، فالإنسان وحضارته وحتى بيئته ومناخه في جميعها هو الضحية.

رسالتي للعقلاء في كل الدول وقياداتها، في أمريكا وأوروبا وفِي شرق آسيا والعالم أجمع، ولقياداتنا في العالم العربي، إن الرقبة ستنغضن، فاحذروا التاريخ، فهو مليء حد التخمة بالعبر، ولعناته ما زالت تطارد الظلمة والعتاة، واحذروا تحمل رقابكم سيل الدماء الذي سيكون جراء أي حرب تشنها الفئة “إياها” أو بسببها التي أشار إليها القرآن الخالد في آياته، واحفظوا أوطانكم من عوارها، فإنها مَهْلَكة، وارفضوا إن لم تستطيعوا منع الأهوج من تهوره أن يتخذكم مطايا له، فبينما يهنؤ الناس في دولته على بعد آلاف الكيلومترات بالأمان يشقى مواطنوكم بسبب حربه المجنونة وويلاتها وشررها، ولا أشك أن القواعد العسكرية للدول في دول أخرى محكومة بعدم استخدامها لعمل عسكري خارج مظلة إطار الامم المتحدة والقانون الدولي، وفِي المجمل عدم استخدامها بما يجلب الويل والدمار على مواطني تلكم الدول، بينما دولة القاعدة العسكرية في منأى عن نار الحرب…

بالنظر الى التمرد القائم ضد النظام الدولي والتي تقوده للأسف الدولة المستضيفة مواقعه ومنشآته؛ الجمعية العمومية، مجلس الأمن الخ، منذ غزوها لبغداد خارج أي غطاء قانوني عام ٢٠٠٣، والذي لم يتم مساءلتُها عنه أو إيقاعُ أي عقوبة عليها به، لا لغزوها، ولا لثبوت كذب مسوغاتها التي كانت سببا حسب زعمها في غزوها العراق، إلى الحروب القائمة اليوم والتحالفات والفوضى العارمة في العالم، والتي جميعها خارج مظلة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، دون عقوبة ودون مساءلة لمثيري تلكم الحروب والمعتدين فيها، ليثبت “الدولار” في تجلياته المختلفة؛ نفطا، وأسلحة، أنه القائد الأعلى لقوات الشر العالمية اليوم، إذ به تُشترى الذمم، وتشعل لأجله الحروب، بل ويَكْتِسِبُ القتلُ والاغتيالاتُ والإجرامُ به الصفةَ الشرعية، ويُزينُ له، ويفلت أصحابها دون مساءلة ودون عقوبة، لنعيش اليوم وضعا للأمم المتحدة شبيهاً جدا بوضع “عصبة الأمم” قبل قيام الحرب العالمية الثانية، وهو تعطيل الهيئتين وتنامي العمل الإجرامي للدول، بعضِها على بعض، خارجَ إطار القانون.. فهل يعيد التاريخ نفسه؟! ..على الإنسان منا في أوطاننا المختلفة، والعالم مهما كان دينه وثقافته ودولته أن يتوجه بخالص الدعوة لله سبحانه في شهره الكريم هذا أن تتحقق الآية فيطفأ الله نارا أوقدها وما زال يوريها موروها منذ الأزل، فتكون ضمن ما أطفأ من نيران لحروب أوقدها هؤلاء عبر التاريخ، كما في الآية، فالله هو الستار، وهو الحافظ الكريم…

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights