سلطنة عُمان تحتفل بالعيد الوطني الرابع والخمسين المجيد المجيد
Adsense
مقالات صحفية

“زيتونة” ورحلة الشتات والعودة

طه جمعه الشرنوبي – كاتب ومدّون مصري

كان هناك قرية صغيرة تحمل اسم “زيتونة”، حيث امتزجت أصوات الأطفال ورائحة الزيتون وهمس الرياح. في يومٍ من الأيام، اجتاحت رياح الحرب هذه القرية الهادئة، واختلط الزيتون برماد الحروب، فانقسمت العائلات وفُرِّقَت الأحلام.

أسرة الحسن كانت من بين العائلات التي شهدت رحيلًا مفاجئًا. همّت الحقائب بأحلام الأمل والحنين، تاركة وراءها بستان الزيتون الذي كان يشكّل جزءًا من هويتهم. انطلقوا في رحلة الشتات، يحملون بين أضلُع الحقائب مقتنياتهم وذكرياتهم، ويشدون بأنغام الأمل رغم صعوبة المغادرة.

في أرض الشتات، واجهوا لغة جديدة وعادات مختلفة. طالبتهم الحياة بالتكيف وتغيير الروتين، ولكن قلوبهم لم تزل تخضرّ بشجر الزيتون الذي كان جزءًا من حكايتهم. يومًا بعد يوم، بنوا حياة جديدة، ولكن الشوق للوطن لم يتخلى عنهم.

مرت الأعوام كساعات غارقة في الأمل. في يوم من الأيام، عادت رسالة من الوطن، كانت كصدى الحنين تعود إلى القلب. كانت الرسالة دعوة للعودة إلى زيتونة، إلى أرض الأجداد وشموخ الزيتون الذي شهد كل حكايتهم.

انطلقت رحلة العودة، حملوا معهم ذلك الشوق الذي غمر قلوبهم. وعندما وصلوا إلى زيتونة، وجدوا البسمة تتفتح على وجوه الأهل والأحباء الذين طال انتظارهم. استعادوا بساتين الزيتون، وأصبحت كل زيتونة تحمل قصة الشتات والعودة.

في لحظة العودة، اندمجت الروح مع الأرض، واحتفل الزيتون بعودة أبنائه. رسمت أيادي الأطفال وجوهًا سعيدة على جدران البيوت، واستمعت الطيور إلى أنغام الفرح. وكأن الوطن استعاد جزءًا من ذاكرته، وأعاد ترتيب أوراق حكايته القديمة.

وهكذا، أصبحت زيتونة ليست مجرد قرية بل تحمل قلبًا ينبض بالعودة والأمل. رحلة الشتات كانت درسًا في صبر الروح، ورحلة العودة كانت نغمة في سمفونية الحياة تروي قصة استعادة الهوية والانتماء.

ومع كل عودة، كان للزيتون شهود على لحظات جديدة من الحياة. في أرجاء القرية، أُعِيدَتْ كل شارعٍ وميدانٍ إلى الحياة بضحكات الأطفال وأصوات الحديث ورائحة الزيتون الطازج. كانت العودة ليست مجرد عودة إلى الوطن؛ بل عودة للروح والانتماء.

تجلس عائلة الحسن في ساحة البيت، حيث يتخذ شجر الزيتون في الفناء مكانًا للتلاقي والحكايا. يجتمعون حول الطاولة الخشبية في حديقة الزيتون، وتفوح رائحة القهوة والزيتون في الهواء. يروي جد الأسرة حكايات الطفولة في ظل الزيتون وكيف كان يلعب تحت أغصانه الكثيفة.

مع مرور الوقت، أصبحت زيتونة مركزًا للتلاقي والترحيب. استضافت القرية الفعاليات الثقافية والفنية التي عكست تنوع التراث والهوية. انتعشت الحياة الثقافية، وأصبحت زيتونة قبلة للزوار الراغبين في اكتشاف الجمال الطبيعي والروح الفلسطينية الحية.

وكانت هذه القرية الصغيرة قد أثبتت أن العودة لا تعني فقط العودة إلى المكان؛ بل تعني أيضًا إعادة بناء الحياة وتجديد الروح. زيتونة أصبحت رمزًا للأمل والتمسك بالهوية، وفي كل زيتونة ينمو شجر يروي حكاية الشتات والعودة، حكاية عائلة الحسن وقريتهم، حكاية تتلخص في جمال العودة إلى الوطن ورسوخ الجذور في تراب الزيتون.

في هذا اليوم الخاص، أُقيمت حفلة في قلب زيتونة للاحتفال بالعودة وتوثيق روابط الوحدة والمحبة. زيّنت الزهور والأضواء اللامعة المكان، وارتسمت الابتسامات على وجوه الأطفال الذين تجولوا بفرح تحت أغصان الزيتون.

وفي لحظة الفرح والتأمل، وقف الجميع حول شجرة الزيتون القديمة في ساحة القرية. أخذوا يشاركون قصصهم، وتبادلوا الأماني، وعبّروا عن شوقهم للأرض واللحظات التي عاشوها. كانت لكل عائلة في زيتونة قصة فريدة، ولكنهم كانوا متحدين بروح واحدة تعيش وتستمد قوتها من الأمل.

وفي أثناء الاحتفال، ارتفعت أصوات الطيور مع أصوات الزغاريد والألحان. كانت زيتونة تعيش لحظات تاريخية جديدة، حيث اجتمعت الأجيال وتفاعلت القصص في رقصة جماعية تجسد التلاحم والتماسك.

مع غروب الشمس، بدأت ظلال الزيتون تطوف حول القرية، وأضاءت الشموع الطرقات. أخذ الناس يتجمعون حول النيران، حيث أُحضِرت القهوة وتم تقديم أطعمة تقليدية. كانت هذه اللحظة تجمع الجميع بفرح وسرور.

وفي نهاية هذا اليوم، قال جد الحسن بصوتٍ هادئ ومليء بالفخر: “إن العودة ليست نهاية رحلة، بل بداية لفصل جديد في حياتنا. والزيتون، يا أحبائي، هو جذورنا وأملنا وروحنا؛ فلنستمر في رعاية هذا البستان الذي يحمل تاريخنا وقصصنا.”

وهكذا، استمرت حياة زيتونة بالتدفق كنهرٍ لا ينضب، حاملة معها قصة الشتات والعودة، وفي كل فصل جديد، تكمل الأمل والحب لتزرع زهورًا جديدة تتفتح في رونق الحياة.
وكما تشرق الشمس في الفجر الجديد، جلست عائلة الحسن حول مائدة الإفطار في يومٍ آخر. وكانت الزيتونة قد استقبلت فصل الربيع بوجوه مضيئة وأزهار تتفتح في كل مكان. انعكست أشعة الشمس على أوراق الزيتون، وكأنها ترقص على لحن السعادة.

وفي ذلك الصباح، انطلق الأطفال إلى المدرسة بابتساماتهم البريئة، حاملين معهم حقائبهم.
وعلى أطراف القرية، كان الأهالي يستعدون ليوم عمل جديد في حقول الزيتون.

في هذا الفصل الأخير من قصة رحلة الشتات والعودة، استشعرت عائلة الحسن بالاستقرار والسلام. كانت قريتهم قد نمت وازدهرت بالحب والتلاحم. وفي كل جذع زيتون، كتبوا أسماء أجيالهم، مواصلين رحلة الحياة بقلوبهم الحانية بالوفاء والعطاء.

وكان للزيتونة صوت في العالم، يحمل قصة الصمود والعودة. وفي كل ركنٍ من ركنها، تعكس الأزهار والأشجار حياةً جديدة تنبت بعد كل موسم شتاء. إنها قصة حياة لا تنتهي، حيث الشتات ليس نهاية بل بداية لرحلة مستمرة من العودة إلى الحياة.

وكما اندمجت العائلة في حياة الزيتونة، تركوا أثرهم على طريق العودة. وفي كل غروب للشمس، كانوا يستلقون ويستمعون إلى همس الزيتون ونسمات الهواء، يشكلون جزءًا من حكاية تتردد في أرجاء هذه الأرض، حكاية رحلة الشتات والعودة إلى وطن الأمان والأمل.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights