2024
Adsense
مقالات صحفية

مجمع عُمان الثقافي

محفوظ بن خميس السعدي

تعاريف الثقافة متعددة وتختلف من حيث الشكل والمضمون في الثقافات المتعددة في العالم أجمع، والثقافة لا يمكن تحجيمها في جانب واحد أو في مجتمع واحد؛ فالتشخيص الأولي للثقافة هي الإنسان وبيئته وجغرافيته والمكان الذي يعيش فيه، ومن هذا المنطلق فإن البيئة الثقافية المشبعة بالكثير من التنوع تحتاج إلى أيقونة موحدة تجمع ذاك التنوع، وتضعه أمام الأجيال المتعاقبة كرمزية وثيمة لمجتمع كان وما زال يعيش على رقعة من الأرض متخمة بالتعددية في كل شيء، وبالتالي كان لا بد من إنشاء مجمع عُمان الثقافي الذي يتكون من (3) مبان رئيسة (المسرح الوطني، والمكتبة الوطنية، وهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية)، إضافة إلى (8) مبان لمرافق المجمع بقيمة مالية تصل إلى (147) مليونًا و(800) ألف ريال عُماني، بينما القيمة المعنوية لوجود مبنى للثقافة تكاد تصل إلى عنان السماء من الفخر والاعتزاز، بجانب أن الثقافة كمعطى إنساني هي صناعة لا بد من استثمارها تحت مسمى الصناعات الثقافية، والتي تخلق هوية وطنية لشعب ما؛ ليتم الاستفادة منها في استثمار رأس المال البشري.

وأصل الثَّقافة في اللُّغة العربيَّة مأخوذ من الفعل الثلاثي (ثقف) بضمِّ القاف وكسره وتُطلق على معانٍ عدَّة؛ فهي تعني: الحذق، والفطنة، والذَّكاء، وسرعة التَّعلم، وتسوية الشَّيء، وإقامة اعوجاجه، والتَّأديب، والتَّهذيب، والعلم، والمعارف، والتَّعليم، والفنون، ولها معانٍ أخرى عند علماء اللغة، فعند ابن فارس (ثقف) الثَّاء، والقاف، والفاء كلمة واحدة إليها يرجع الفروع، وهو إقامة درء الشَّيء، ويُقال: ثقفت القناة إذا أقمت عوجها، ورجل ثقف لقف وذلك أنَّ يصيب علمًا ما يسمعه على استواء، وعند ابن منظور ثقف أي ثقف الشَّيء ثقفًا، وثقافًا، وثقوفةً: حذقه، ورجل ثقف: حاذقفهم، وعند ابن دريد ثقفت الشَّيء أي حذقته، وثقفته إذا ظفرت به، وثقف الرَّجل ثقافة أي صار حاذقًا خفيفًا، ومنه المثاقفة.

والتعاريف كثيرة التي تساق عن الثقافة، ولا نغفل أن هناك زوايا غير متطابقة في التعريف العربي والتعريف الأوروبي للثقافة، وهذا كله معترك وميدان متروك لعلماء الثقافة ليدلو كل بدلوه، أما المهم لدينا أن مبنى مجمع عُمان الثقافي سيكون واجهة حضارية مفعمة بالروعة، وقبلة لكل من يتعطش للاطلاع على الثقافة ومراحل تبلورها في السلطنة، وكيفية التعاطي مع ثقافات الشعوب الأخرى؛ فالمبنى بتلك التفاصيل يعطي للمسرح بريقة مرة أخرى، والقصد المسرح الوطني الذي غاب أو غُيّب عن الساحة الثقافية لفترات ليست بالبسيطة، كما أن السلطنة وبإنشاء المكتبة الوطنية تنضم إلى قافلة الدول التي تحوي مكتبات وطنية زاخرة بالإنتاج الوطني والإرث الشعبي لتلك البلدان؛ فالمكتبة الوطنية إلى جانب المؤلفات والكتب والموسوعات تضم بين دفتيها تاريخ الثقافة لدى تلك الأوطان، والتطور الزمني لتلك الشعوب من خلال انتشار ثقافتهم بين الأمم وكثافة الإقبال عليها، وتوثيق تلك الفترة الزمنية ووضعها في إطار وطني بهدف اطلاع أجيال الحاضر والمستقبل، وتذكر أجيال الماضي ما مضى من خلال هيئة متخصصة في الوثائق والمحفوظات الوطنية الثمينة بحفظ ذاكرة شعب من خلال وثائق تعكس التوجهات الثقافية في كافة مجالات الحياة الإنسانية؛ فالهيئة تعطي حصانة رسمية لتلك الوثائق من التلف ومن الفقدان وفقاً لعملية ضخمة وشاقة تحتاج إلى وقت زمني ليس بالقصير لحصر تلك الوثائق التي هي بمثابة إثباتات مادية ومعنوية لشعب أعطى وما زال يعطي زخما في الحضارة البشرية في أرجاء العالم الفسيح، فالثقافة لا بد لها من مبنى يرمز إلى رائحة اللبان العُماني، وإلى الخطوط الزرقاء المرسومة على صفحة ماء البحار والمحيطات تكتب بالغنجة أو السنبوق، وإلى جبال شامخة تحف عُمان من الزاوية إلى الزاوية، وإلى جمال روح الفرد العُماني في حبه للحياة والعيش.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights