إدارة البيئة بمحافظة شمال الشرقية والتوازن البيئي في القطاع التعديني
سعود بن سيف البوصافي
مفتش بيئي بإدارة البيئة بمحافظة جنوب الباطنة
استشراق مستقبل البيئة في ضوء أولويات رؤية “عمان 2040”
أن البُعد البيئي في منظومة التنمية عموما، والرؤية الوطنية المستقبلية خصوصا، هو الرِّهان الحقيقي لتحقيق عنصر الاستدامة الآمنة لنهضة عُمان المتجددة. أنَّ مسيرة عُمان على الإمتداد الواسع حافلة بمحطَّات مُميزة على مستوى حماية البيئة وصون مواردنا الطبيعية؛ سواءً باكتمال منظومة التشريعات والقوانين، أو بالجهود النوعية المبذولة للحفاظ على البيئة وتنمية مواردها وضمان توظيفها التنموي الأمثل، وتعزيز الهياكل التنظيمية المؤسسية، ودوائر التخطيط البيئي والتفتيش والرقابة، إضافة لانضمام السلطنة إلى العديد من الاتفاقيات والبروتوكولات الخاصة بالبيئة، والتي تضمن جميعها تحقيق التوازن بين أبعاد التنمية المستدامة.
أن البيئة من منظور الرؤية المستقبلية، ليست فقط المحافظة على شواطئ نظيفة وحماية الطبيعة من المخلفات والحد من استخدام الكربون- وهي بلا شك قضايا بالغة الأهمية- بل البيئة هي كل ما يتعلق بالموارد الطبيعية وضمان الحفاظ عليها وصونها وضمان استدامتها، وهذه الموارد تشمل الموارد الغذائية والمائية، وما نستخرجه من ثروات تعدينية.
إن التعدين حكاية اتصل حبرها بين مجان وعُمان، عنوانها الاستثمار والبناء، كيف نختصر المسافة لتحقيق التقدم على امتداد الجغرافيا العُمانية، مخزون تعديني كبير تختزله أرض عُمان الواسعة بصحاريها وجبالها، وبتنوع فريد وجودة عالية تنافس المنتجات العالمية؛ حيث يعد قطاع التعدين شريكاً في عملية التنمية التي شهدتها السلطنة خلال العقود الماضية.
يعتبر الموقع الإستراتيجي للسلطنة من أبرز المقومات الأساسية المشجعة على الاستثمار في مجال التعدين؛ حيث تشكل الموانئ نقطة توزيع للمنتجات التعدينية نحو الأسواق العالمية، كما تعد المنافذ البرية جسراً لانتقال المنتجات إلى الأسواق الإقليمية، بالإضافة إلى توفر شبكة الطرق الحديثة التي تسهل خدمة الوصول إلى المستهلك المحلي.
وتعزيزاً لرؤية السلطنة لتنويع اقتصادها فقد شهد قطاع التعدين زيادة ملحوظة خلال السنوات الماضية، توزعت على محافظات السلطنة؛ ونتيجة لزيادة الإنتاج فقد ارتفعت الصادرات التعدينية في السلطنة خلال العام الماضي، ليواصل قطاع التعدين النمو نحو تحقيق عوائد أفضل، ولتمكين القطاع من القيام بدوره ولتحقيق أكبر قدر من الاستفادة الممكنة؛ فإنه من المهم تقوية الربط والتفاعل بين المؤسسات، كما أن هيئة البيئة لها الدور الكبير من أجل حماية البيئة وصون الموارد والمقومات الطبيعية.
إن العمل على اتخاذ ما يلزم من إجراءات لتوفير بيئة محمية تحقق التوازن بين المتطلبات البيئية والاقتصادية والاجتماعية والعمل بقواعد التنمية المستدامة، يمثل أحد أبرز الأهداف لأولية البيئة في رؤية عُمان 2040، وتحقيق هذا التوازن لن يتأتى سوى من خلال تكاتف جميع الجهود، وأخص بالذكر أفراد المجتمع، الذين يتعين عليهم تبني المبادرات الذاتية التي تسهم في ضمان حماية البيئة، والتخلص تماماً من التصرفات السلبية الضارة بالبيئة والمجتمع على حد سواء.
إن من بين الخطوات التي تساعد على صون البيئة وفق أولويات رؤية عُمان 2040، العمل على استدامة الموارد والثروات الطبيعية واستثمارها على النحو الأمثل، وقد بدأنا بالفعل في تطبيق السياسات والتوجهات التي تحقق هذا الهدف،
كما أن إدارة البيئة بمحافظة شمال الشرقية تقوم بالزيارات الميدانية التفتيشية لتنظيم عمل القطاع التعديني في محافظة شمال الشرقية؛ وذلك من خلال متابعة شركات القطاع بتنفيذ الاشتراطات والمعايير البيئية، ولتمكين عمل القطاع ووضع المعايير التي تكفل المشاركة في تنمية المجتمع والحفاظ على البيئة، كما أن لها الدور في سير العمل ومناقشة المواضيع والملاحظات المقدمة من المجتمع والمتعلقة بمجالات عمل الهيئة.
إن الاشتراطات البيئية المتعلقة بقطاع التعدين تتطلب متابعة مستمرة، ومن محاور هذه الاشتراطات:
– يجب على مالك المشروع استخدام رشاشات المياه عند نقاط إسقاط المواد الخام، ورش أرضية وحدات ومرافق المشروع بالمياه بشكل منظم وفقاً للأسس والضوابط
– يجب على مالك المشروع شق طريق واحد فقط من الطريق الرئيسي إلى موقع المحجر والكسارة، على أن يكون الطريق بعيداً عن الأحياء السكنية، وتأهيله بمواد مناسبة تمنع تطاير الغبار
– لا يسمح لمالك المشروع بعمل أي متفجرات أو تحجير في موقع العمل الذي تمت الموافقة عليه في الجهة المقابلة للمنطقة السكنية أو الشارع الخدمي، ويعتبر ذلك مخالفاً للاشتراطات الواردة في التصريح البيئي
– يجب على مالك المشروع التقيد التام بالعمل داخل حدود المحجر أو بتركيب الكسارة ضمن الإحداثيات المصرحة من قبل الجهات الحكومية المختصة، والتي من بينها هيئة البيئة على إحداثيات نظام (UTM WGS84)
– يجب على مالك المشروع التخلص من المخلفات والمواد الدقيقة التي تتجمع من وحدة تجميع الغبار بطريقة سليمة بيئياً، وفي المواقع المخصصة لذلك من قبل الجهات ذات الاختصاص
– يجب على مالك المشروع تغطية القواديس من جميع الجهات (ماعدا جهة إدخال المواد الخام) بالمواد الثابتة، ومن جهة إدخال المواد الخام بشرائح مطاطية مع استخدام مياه الرش على آثار الغبار أثناء عمليات إدخال المواد داخل القواديس
– يجب على مالك المشروع عدم تخزين أو تكديس المواد الخام والمخلفات في أماكن مكشوفة بموقع المشروع
– يجب على الشركة العمل في حدود المشروع فقط، وتقوم بإعادة استزراع النباتات المحلية المتواجدة بالمنطقة؛ وذلك لمنع حدوث خلل في التوازن البيئي
– يجب على الشركة التقيد التام وفي كل الأوقات بالقوانين واللوائح البيئية التابعة لهيئة البيئة، ومنها قانون حماية البيئة ومكافحة التلوث الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (2001/114) واللوائح التنفيذية الخاصة به
– يجب على الشركة استخدام أفضل الممارسات البيئية والتكنولوجيا المتاحة عالمياً في وحدات ومرافق المشروع؛ وذلك من أجل الوصول صفر كلياً أو جزئياً عن طريق معالجة أو تدوير أو إعادة استرجاع أو تخفيض تركيز وكمية الملوثات والانبعاثات والمخلفات البيئية أو الروائح ومصادر الإزعاج وفقاً للأسس والضوابط.
لقد بلغ إجمالي إنتاج سلطنة عُمان من المعادن في نهاية العام الماضي 60.3 مليون طن، في حين بلغ إجمالي الكمية المبيعة 57.5 مليون طن، وذلك وفقًا لبيانات نشرتها وزارة الطاقة والمعادن، وتوجه سلطنة عُمان أنظارها إلى قطاع التعدين لرفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، إذ بلغ مساهمة التعدين والمحاجر في الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الماضي (230) مليون ريال، وهي مساهمة لا تزال متواضعة ولا تتناسب مع حجم الثروات التعدينية في سلطنة عُمان.
ويعد قطاع التعدين، أحد القطاعات المستهدفة في سياسات التنويع الاقتصادي في سلطنة عُمان، كما أنه إحدى ركائز النمو في رؤية عمان 2040 التي تسعى لرفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي. ويتمتع قطاع التعدين بإمكانيات كبيرة تؤهله لتحقيق أهداف التنويع الاقتصادي، إذ أن توفر الثروات المعدنية في سلطنة عُمان يقدم فرصًا جاذبة للاستثمار وتعزيز الصادرات.
كما أن محافظة شمال الشرقية تزخر بالكثير من المقومات التي تؤهلها لجذب الاستثمار في قطار التعدين، وتبلغ عدد المحاجر والكسارات حوالى 45 العاملة خاصة للمعادن الفلزية و اللافلزية، وهي جنباً بجنب مع عملية التنمية في محافظة شمال الشرقية زيادة في إنتاج المعادن الصناعية من 100 مليون طن متري في 2016 إلى 138 مليون طن متري في 2023، وزيادة في إنتاج المعادن الفلزية من 1.1 مليون طن متري في 2016 إلى 8.1 مليون طن متري في 2023، مع التركيز على المعادن ذات القيمة المرتفعة – النحاس، الكروم، النيكل وغيرها.
التشريعات والممكنات
– الضرائب والإتاوات: تحديد رسوم الإتاوات والضرائب المناسبة
– التصاريح والتراخيص: تحديد وتبسيط عمليات الترخيص وإجراءات مراقبة القطاع
– تخصيص الامتيازات: تحديد الأراضي المخصصة للتعدين وامتيازات مشاريع التعدين
– البنية الأساسية والممكنات: تحديد البنية الأساسية اللازمة لتسهيل نمو القطاع
– المسؤولية الاجتماعية: وضع معايير لضمان التعاون في التفاعل مع المجتمع وقضايا البيئة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة
– تنمية القدرات: وضع معايير للتعليم والتدريب وإدارة البيانات، وتمكين الهيئة لضمان استدامة القطاع
– الابتكار في التعدين: وضع خارطة الطريق للابتكار وذلك لتحقيق أكبر قيمة للموارد المعدنية.