علمتني الحياة

سعيد بن سيف الحبسي

علّمتني الحياة بأنها عالَمٌ واسع تحوي بين جنباتها الجميل والقبيح والمُفرح والمُحزن، مما جعلني متيقناً بأن الحياة متقلبة لا تدوم لأحد، ولا تبقى على طبيعتها، فهي تمضي بنا عبر مراحل أعمارنا منذ طفولتنا وخروجنا إليها عاجزين باكين من أرحام أمهاتنا، ففي مهدنا نبكي، وعند جوعنا وعطشنا نبكي، وعند مرضنا نتألم ونبكي، وعند فراقنا لأحبتنا نعتصر حُزناً ونبكي، وعند هرمنا نسترجع الماضي ونبكي ونقول:
ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما صنع المشيبُ فالحياة من المهد إلى اللحد في صراعٍ دائمّ بين الخير والشر، وبين الحق والباطل، وبين السعادة والشقاء، فهي بمثابة الكيس الممتلئ بالماء، والمثقوب بثقب صغير، في كل لحظة تسقط قطرة هي إعلانٌ لنقصان أعمارنا وأعمالنا في هذه الحياة، والتي تستمر ما دامت الروح نابضة بها إلى أن تحين ساعة الرحيل.
علمتني الحياة بأنها تحوي بين جنباتها أجناساً من البشر وأنواعاً من الطبائع البشرية، فمنهم المُتعلم والجاهل والمثقف والعالِم والخلوق والفاسق والفاسد والمفسد، والصادق والكاذب والحاسد والحاقد والمنافق والمجامل والطيب والفَّظ غليظ القلب وغيرهم الكثير، وقد تواجه وتتواجه مع كثير من هؤلاء البشر، وقد تخسر تلك المواجهة ليس لضعف حُجتك، ولكن لنبل أخلاقك وطِيبة قلبك وصدقك وصراحتك، إلا أنني أستشعر هنا إيماناً ويقيناً صادقاً بأن كل أمر من الله هو خير، وسيأتي يوم وسيُخذل أمثال هؤلاء؛ ولعل القادم أفضل.
علمتني الحياة بأن الرزق ليس بيَد البشر وإنما بيَد من خلق البشر، فقد يُعاديك البعض منهم من أجل أن لا تنال وافراً من الرزق، وقد يكيدون لك المكائد من أجل أن لا تتبوّأ مكانةً علمية أو عملية في حياتك؛ إلا أن ذلك قد يزيد من همتك وقوتك في مواجهة المصاعب والتحديات والتي ستتغلب عليها بمبادئك الراسخة، وعقيدتك الصلبة، وبقوة عزيمتك وإصرارك على مواجهتها بإيمانٍ ويقينٍ صادق مهما وضِعت أمامك الأشواك، فإن الغد سيكون جميلاً كجمال عطائك وصنائعك، وكصفاء قلبك ونقاء سريرتك.

*كلمة أخيرة*
علمتني الحياة بأن أكون مرفوع الرأس، عالي الهامة، لا أسجد إلا لربي الذي خلقني، وأن أكون متواضعاً حَسن الخُلق؛ فمن تواضع لله رفعه، فالسيرة الطيبة تكون لك منزلة عند الله، وإن لم يكن مَن حولك مقتنعين بمبادئك النبيلة السامية التي تلتزم بها، فمن البشر في هذه الحياة من لا يعترف بها وديدنهم فيها المصلحة الشخصية وإن تخلى عن كل القيم والخصال الحميدة؛ إلا أن على الإنسان الصالح المُصلح أن يبقى عليها، فإن لم يجد أثرها في الدنيا فإنه لا محالة سيجد أجرها يوم القيامة.