تأثير ألعاب الفيديو على الأطفال: بين عالم الخيال وتحديات المجتمع الحديث
تحقيق: محمد الراشدي
في عصر التكنولوجيا الحديثة، يعيش الأطفال في عالم محاط بالأجهزة الإلكترونية، بدءًا من الهواتف الذكية وصولاً إلى الألعاب الإلكترونية والأجهزة اللوحية. وتعتبر هذه الأجهزة جزءًا لا يتجزأ من حياتهم، حيث تمثل وسيلة ترفيهية وتعليمية. ومع ذلك، يطرح التساؤل حول ما إذا كان هذا التطور يشكل إدمانًا على الأطفال، وهل تؤثر هذه الأجهزة على تغير أفكارهم واتجاهاتهم الاجتماعية؟ وفي حال الإجابة بنعم، فما هي الحلول الممكنة لهذه القضية؟
بداية الإدمان
أشار نواف المعمري، الخريج من قسم علم الاجتماع، إلى أن إدمان الأطفال على الأجهزة الإلكترونية يظهر من خلال عدة إشارات، مثل القلق والتوتر الدائم عند فصل أو تعطل الإنترنت، ويتجلى الإدمان أيضًا في ترقب الطفل المستمر لبرامج التواصل الاجتماعي، وعدم الإحساس بمرور الوقت، مما يؤدي إلى انعزاله وقلة تواصله مع الآخرين.
في هذا السياق، أجرت وزارة التنمية الاجتماعية بالتعاون مع جمعية الاجتماعيين العُمانية دراسة في عام 2020 حول تأثير استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على تربية الأطفال في المجتمع العُماني. الدراسة أظهرت أن أكثر من 50% من الأطفال يستخدمون الإنترنت بتراوح بين ساعتين و5 ساعات يوميًا، ويزيد الاستخدام في فترات نهاية الأسبوع والعطلات ووقت الليل، وهو ما يشكل مؤشرًا خطيرًا نظرًا لأن أكثر من 89% من الأطفال يمتلكون حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي.
تأثير انتشار الأجهزة بين الأطفال ويرى المواطن أحمد اليحمدي أن هناك تنوع كبير في الأجهزة الإلكترونية المستخدمة من قبل الأطفال بين الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، إلى جانب الألعاب الإلكترونية والتلفزيون، ويرتبط انتشار هذه الأجهزة بعوامل مثل التطور التكنولوجي وتوفر الاتصال بالإنترنت وتوفر الأجهزة بأسعار معقولة. يُسلط الضوء في العديد من الدراسات والأبحاث العالمية على تأثيرات استخدام الأطفال للأجهزة الإلكترونية، وأن انتشار الأجهزة الذكية لدى الأطفال يعزز قدراتهم العقلية والإبداعية ويساهم في توسيع دائرة تواصلهم الاجتماعي.
على الجانب الآخر، يعتبر المواطن خالد الهدابي انتشار الأجهزة الذكية بين الأطفال مشكلة خطيرة، حيث يُشير إلى تأثيرها السلبي على تركيزهم ومهاراتهم الاجتماعية، مُشيرًا إلى الإدمان الناجم عنها والتأثير الضار على نومهم ونمط حياتهم الصحي.
كما أظهرت دراسة وزارة التنمية أن نسبة امتلاك الأطفال للأجهزة الإلكترونية وصلت إلى 99%، مع توجيه الدعوة للآباء والمربين للرقابة الصارمة وتوفير بيئة صحية تحفز على أنشطة بديلة تسهم في تنمية شاملة للأطفال.
تأثير الأجهزة الإلكترونية على الأطفال
وأوضح الدكتور منذر المقبالي، متخصص في الاستشارات النفسية ومؤسس منصة توجيه، إلى أن الإدمان على الأجهزة الإلكترونية يشكل خطرًا حقيقيًا على تطور الأطفال، حيث يؤثر سلبًا على جوانب حياتهم العقلية والاجتماعية. يشدد على أهمية فهم الآباء لهذه المشكلة وتقديم الدعم والتوجيه لأطفالهم.
وفي هذا السياق أكد الدكتور حميد البادي، طبيب أطفال، على أن الإدمان يمكن أن يؤدي إلى تراجع النشاط البدني، مما يتسبب في زيادة مخاطر السمنة ومشاكل صحية متعلقة. كما يشير إلى آثار نفسية تشمل اضطرابات النوم وصعوبات التركيز.
وفي رأي المواطن اسعد المقبالي، يعد إدمان الأطفال على الأجهزة الإلكترونية تحديًا اجتماعيًا هامًا يتطلب اهتمامًا فوريًا. يطالب برد فعل شامل من الأهل والمدارس والمجتمع بشكل عام.
ويضيف نواف المعمري أن التأثيرات تشمل الانعزال الاجتماعي وتقليل التواصل الحقيقي، مع تأثيرات على العلاقات والقيم الثقافية والأداء التعليمي للأطفال.
وأظهرت دراسة وزارة التنمية في هذا السياق أن أكثر من 35% من الأفراد يمتلكون ألعاب فيديو، وتتنوع تلك الألعاب في طريقة اللعب والعرض. وتشير الدراسة إلى أن معظم هذه الألعاب مرتبطة بالعنف والقتل والكراهية، وتحمل أفكارًا غريبة على مجتمعنا. بالإضافة إلى ذلك، تعرض تلك الألعاب صورًا غير أخلاقية ومخلة بالحياء، مما قد يؤدي إلى تقبلها من قِبَل الأطفال دون رفضها على المدى البعيد، مسهمةً في نقل رسائل متضمنة للأجيال الصاعدة وتغيير معتقداتهم وأفكارهم.
يتوجب على المجتمع التعاون في إيجاد بيئة صحية وتعليمية متوازنة للأطفال. كما ينبغي توفير وعي وتثقيف حول استخدام الأجهزة الإلكترونية بشكل صحي ومتوازن. على الآباء والمدارس والمؤسسات الاجتماعية أن يعملوا معًا لتعزيز الحدود الصحية وتنظيم الوقت المخصص لاستخدام الأجهزة الإلكترونية. يُشجع على توفير برامج تثقيفية للأهل والأطفال، تقدم لهم فهمًا حول المخاطر المحتملة للاستخدام المفرط للأجهزة وتوفير إرشادات حول كيفية التحكم فيها.