سلامٌ يا غزة من مسقط
سالم البادي
سلامٌ يا غزة المجد والشموخ،
سلامٌ من مسقط عاصمة السلام والسماحة والوئام.
سلامٌ عليكِ وعلى من سَكنَ أرضكِ، سلامٌ على أبنائكِ الأبطال، ورجالكِ الشجعان.
يا غزة الصمود والعزّ والفَخَار، شموخكِ هيبةٌ وكبرياء، وجهادكِ نصرٌ عزيزٌ مؤزّر.
يا غزة الإباء سلامٌ عليكِ، سلامٌ إليك، ومنكِ السلام يا من أحييتِ العزّة والمجد للمسلمين والأحرار ، وانكسر القيد وتبعثرت الأصفاد، وبانت الأحقاد، وولّى زمن الاضطهاد.
إننا نعيش في زمن العجائب والمصائب، في زمنٍ تُباع فيه الضمائر، وترخص فيه النفوس، فانتشرت الكراهية والحقد والغلّ والحسد في قلوب الناس، وازدادت الفتن ما ظهر منها وما بطن، انتشر القتل وسفك الدماء، وضاقت الدنيا بالبلاء والوباء والحروب والأزمات، والله المستعان.
يا غزة: أصبح صوتكِ حديث شعوب العالم قاطبةً، بصمودكِ وثباتكِ وصبركِ أمام قوى الشرّ والطغيان والاستبداد والاحتلال.
إن طوفان الأقصى أظهر نفاق العالم حول “القضية الفلسطينية” وبالأدلة الدامغة التي أثبَتوا فيها عِنادهم وحقدهم وحسدهم وبغيهم وجورهم وطغيانهم واستبدادهم، مما أثار ضجةً كبيرة واستياءً عالمياً من شعوب العالم.
فالصمت العالميّ المُخزي حول جرائم والإبادة المستمرة من آلة الحرب الصهيونية الغربية الأمريكية، والجحيم الذي يعيشه أهل قطاع غزة، هو مشهد أكثر خطراً وفتكاً ببني الإنسان في هذا العصر الحديث.
فإلى متى هذا الصمت أيها العالم الذي تدّعي بأنكَ متحضر وراعٍ لحفظ حقوق الإنسان والحريات؟
بينما في غزة، في كل ساعة تُجمع أشلاء الشهداء من تحت الركام، وتَسحق آلة الحرب الصهيونية المباني والمساكن والأحياء على قاطنيها، بالرغم من أن هؤلاء المضطَهَدين يموتون جوعاً وبرداً تحت حصارٍ ظالمٍ في كل لحظة وكل ساعة، أو قصفاً بمدافع وصواريخ مجنونة، وقنابل فوسفورية وأسلحة محرّمة دولياً، ومشاهد تقشعرّ لها الأبدان، وتهتزّ لها الأرض من هول الموقف والأحداث المرعبة، وكل هذا وذاك يحدث أمام عدسات العالم التي تبث لحظه بلحظه أمام مرأى ومسمع العالم أجمع ، دون أن يوجد أي صوت أو نجده لهؤلاء المستغيثين المستضعَفين المضطهدين في غزة.
من يحاسب من؟
من يعاقب من؟
فالشرطي هو نفسه المحقق والقاضي والجلاد وينفذ الإعدام.
فهل من رشيد؟
كم هي قاسية قلوب العالم يا غزة!
وكم يؤلمنا أن نرى الأمّتين العربية والإسلامية بهذا الموقف الضعيف المخزي، الذي لا يشرف أحداً أبداً، بينما نرى الكثير من دول العالم أكثر نصرة لغزة، ومواقفها أكثر صرامةً في وجه العدوان الغاشم غلى قطاع غزة المحاصر براً وجواً وبحراً.
فكلمة الأمة العربية والإسلامية باتت كلمة فضفافة، تُكتب ولكن ليس لها روح ولا كيان في صدور المسلمين، لا معنى لها سوى أنها مادة إعلامية تتداول في السياسة والمؤتمرات والاجتماعات والمقارّ الرسمية، وفي الاحتفالات والمناسبات الثقافية والاجتماعية.
فقلّ فيها العمل والعطاء، وضاق فيها الولاء والانتماء، وغابت عنها النخوة والمروءة والشهامة والوفاء.
بالمقابل، نشاهد الإعلام العربي والمسلم تنتشر فيه الاحتفالات والمهرجانات والأفراح والأهازيج والمباريات الرياضية والثقافية، بينما قطاع غزة المحاصر المدمر الجائع العطشان المريض المصاب الجريح يعاني ويقاسي أشد انواع القتل الممنهج.
أيّ قسوة قلوب تلك التي تحملونها في صدوركم؟
وأنتم تشاهدون أشلاء الأطفال متناثرة، وتشاهدون القصف والتدمير والحرق والإبادة المستمرة يومياً أمام أعينكم، وتحرصون على متابعة ومشاهدة القنوات الفضائية ولا تحركون ساكناً سوى بعبارات التنديد والشجب .
وأنتِ يا غزة، فلكِ ربّاً يعينكِ وينصركِ، فلا تنتظري ولا تستنجدي سواه، واعتصمي بحبل الله واثبتي ورابطي برجالكِ ومجاهديك، ولكِ النصر عزيزاً مؤيداً مؤزراً من الله.
يا نار كوني برداً وسلاماً على غزة:
لقد وعد الله عز وجل عباده المؤمنين بالنصر والتمكين والغلبة في كل مكان وزمان، فالنصر آتٍ لا محالة بإذن الله تعالى، وسوف تتحرر فلسطين ويعود المسجد الأقصى الشريف إلى سيطرة المسلمين طال الزمان أو قصُر.
والقتال مع اليهود لن تكون نهايته في غزة بل هي معركة طويلة الأمد، يقودها أشد الناس عداوة وضراوة ومعهم عملاؤم وشركاؤهم.
فالعدوّ ما زال متربّصٌ بالعرب والمسلمين ويعلم، أن مصيره للزوال، وأن عمر كيانه يتناقص ساعةً بعد بساعة، وموعد نهايته اقتربت، ولم ولن تفيده مؤامراته الدنيئة وأرصدته المالية، وترسانته الإعلامية والسياسية والعسكرية، فصحوة المجاهدين نهضت واستفاقت، فبالصبر والثبات والإيمان والمقاومة تتحطم المؤامرات وتفشل الخطط بإذن الله الواحد الأحد الفرد الصمد، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ما تزال طائفة من أمتي على الحق، ظاهرين على من ناوأهم ، وهم كالإناء بين الأكلة، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك، قلنا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: بأكناف بيت المقدس” أخرجه الإمام أحمد.
يقيناً ندرك تماماً أن العدو الصهيوني ومعه الكافرون المعادون للإسلام لا يستهدفون قطاع غزة فقط أو فلسطين وحدها، بل إن له خططه ومآربه وأطماعه وسياساته القذرة للضرب والاعتداء والاستيلاء على أراضٍ شاسعة من البلاد العربية لتكوين مملكته المزعومه بما تسمى بـ”إسرائيل الكبرى” والتي تضم فلسطين، ومصر حتى النيل، والعراق حتى الفرات، والأردن، ولبنان، وسوريا والكويت، وأجزاء من شمال السعودية حتى خيبر.
ستُظهر الأيام القادمة أكثر وأكثر من جرائم الصهاينة المعتدين المحتلين، وحقيقة صورتهم القبيحة جرّاء الفساد الذي هو خُلُق اتّصفوا به وملازمٌ لهم عبر تاريخهم الأسود، قال تعالى: {كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها اللَّه ويسْعون في الأرض فساداً واللَّهُ لا يحب المفسدين}(المائده٦٤).
سلامٌ يا غزة الصمود.
أبطالكِ المغاوير الذين ضربوا أروع الأمثلة في البسالة والثبات والرباط والكفاح والمقاومة، وكل يوم يثبتون للعالم أجمع قوة وعظمة وشدة بأس شعب غزة الصامد الصابر المحتسب المجاهد المرابط الثابت على أرضه، يسحقون العدو سحقاً، ويدكّون ثغره دكّاً، ويرمون جنوده رمياً، ويقصفون معدّاته بصواريخ الياسين قصفا ، ويقنصون المرتزقة قنصاً، ليرسلوا للأعداء رسالةً مفادها أن غزة “مقبرة الأعداء” وأن المقاومة هي شوكة في فم الصهاينة المغتصبين المحتلين الآثمين السفّاحين السفّاكين.
سلامٌ يا غزة، إن فصائل المقاومة الفلسطينية أثبتت أنها قادرة على تحرير الوطن، وقد وجهت صفعة كبيرة إلى وجه العدوان الغاشم، وإلى كل من يفكر بالاعتداء على أرضها أو يستعمر أو يحتل شعبها.
سلامٌ عليك يا غزة، سلامٌ عليكَ أيها الشهيد يوم وُلدتَ ويوم استشهدتَ ويوم تُبعثُ حيّاً.
سلامٌ على أطفالكِ الشهداء.
سلامٌ على نسائكِ وشيوخك.
غزة ستبقى شامخةً شموخ الجبال، ما بقيت أشجار الزيتون، نعلم يقيناً أن الجراح ونزيف دمكِ ما زال مستمراً، ورجالكِ في ميادين القتال متعطشين للشهادة، لأنهم لا يعرفون ولا يقبلون إلّا بالشهادة في سبيل الله، والدفاع عن أرضهم وعرضهم وشعبهم وعزتهم وكرامتهم، فهم يُقبلون على الموت ولا يبالون ولا يترددون ولا يُدبِرون، فتتعالى حناجرهم “اقتلونا فوالله إنَّكم تفرحونا بهذا القتل حيث هو لنا عادة، وحيث إنَّا نفخر بأن نُقتَل شهداء بيَد أقذر وأجرم خلق الله ديناً ودنيا، وإنَّا التوّاقون إليها كما تاق لها مَن قال: فُزتُ وربّ الكعبة، وإنَّا التواقون العاشقون الساعون إليها كما سعى إليها مَن كان قبلنا.
فهنيئاً لكُم يا أبناء غزة.
غزة ضربت أروع الدروس الخالدة في نفوس الشباب المسلم، ضربت مثلاً في الصمود والرباط، والثبات على الثغور، وضربت مثلاً في الدفاع عن النفس والعِرض والأرض، وضربت مثلاً أروع في الجهاد في سبيل الله بالنفس.
فسلامٌ لكِ يا غزة، لأرضكِ الطاهرة، سلاماً لأهلك المرابطين، سلامٌ لأطفالكِ ونسائكِ وشيوخكِ، سلامٌ لكل من يمشي ويربط على أرضكِ ويتنفس هوائكِ، سلامٌ لمن سقوا بدمائهم أرضكِ.
سلامٌ لتلك النفوس الزكية الطاهرة.