أزمة الثقافة وصدمة المثقف
د. حميد أبو شفيق الكناني
دكتوراة في اللغة العربية وباحث في الشؤون القرآنية.
تكمن أزمة الثقافة المعاصرة في المثقف نفسه، فالمثقف الجديد مُغرم بالحداثة، هائم في التنظير، عائم في التعبير.
غير ملتفت إلى واقع الحال والتحديات المستجدة.
يكاد يكون المثقف خارج إطار التاريخ عندما يتطلب التخطيط والتنظير الحضور الميداني والتعامل مع الأحداث وجهاً لوجه.
فالنظريات والفرضيات غالباً ما تقف عند حدود التنظير دون التطبيق والتخطيط بلا تنفيذ.
وهذه الأزمة التي أتحدث عنها هي أزمة عالمية أزلية، فليس من أحد خدم البشرية من جانبها الإنساني في الفداء والإثار، لقد مرّ على التاريخ البشري أكثر من عشرين حضارة، أكثر من عشرين حضارة مضت فانقضت ثم انقرضت، كانت فبانت، سادت ثم بادت.
بدأت بالحرب وانتهت بالسرقة، فما هو الجديد الذي يريده المثقف وما هي الحلول التي تقدم لحلّ أزمة الثقافة؟
إن المثقف يلوذ بالموضة الرنانة والهتافات البالية والشعارات المكررة، ليهرب من المسؤولية الكبرى التي على عاتقه.
وعلينا في هذه المواقف أن نأخذ العبرة ونفهم الفكرة، فالمؤمن لا يُلدغ من جُحر مرتين.
إن الأحلام لن تنفع، وإن الوعود لن تشفع، فلنفهم لغة الورد، لأن الوردة العطشى لا تقول لك اسقني، فما أكثر العِبَر وما أقل الاعتبار!
يعاني المثقف من اضطرابات نفسية حادّة وجادّة، لعلّ أهمها ظاهرة الانبهار أو الانسلاخ، مما يؤثر سلباً على الرأي والنظر والتحليل، بل لا يكاد أن يكون المثقف محللاً بل هو واصفٌ ومعرّف، وهو غالباً ما يكون ناقماً لا ناقداً، وهذا ما يجعل الثقافة تعيش في أزمة قائمة ودائمة، وذلك لأن رُبّان السفينة يخاطب البحر أو يعاتب المحيط، والبحر لا يحمل همّ السفينة.
إنها ازدواجية مزعجة ومحرجة، تُلقي بصاحبها إلى المتاهة والتفاهة والسفاهة، فالادّعاء الحالم يولّد الشعار، ومن رحم الشعار الواهم يخرج الهُتاف الصارخ، والواقع عدوّ الحالم والمدّعي.
بينما تأخذ الأمور مجراها الطبيعيّ بما كانت عليه من سُنن وسَير، وعلى الباحث والمحقق أن يفهمها ويدرسها من بداية مجراها إلى نهاية مرساها.
لا يسهر الليل إلا نائم العصرِ،
وليس للشوق ذنب في الذي يجري.
وكل من أراد أن يجعل الدنيا جنة حوّلها إلى جهنم.
إذن، فالثقافة في أزمة، والمثقف في صدمة، وعليه أن يعيد حساباته ويلملم فُتات أفكاره، حتى يسير بخطوات واقعية لا مثالية من التقليد نحو التجديد، وإلا فإن للزمن سطوته وسلطته في التغيير الذي لا يحسب لأحد سوى الزمن، وبرأي كاتب هذه السطور: لو جُمعت الحضارة في جملة واحدة لكانت في الحديث النبوي:
[خير المال مُهْرَة مَأمُورَةٌ وسِكَّةٌ مَأبُورَة] أخرجه أحمد في مسنده.
أي الضرع والزرع من المقدمة إلى النتيجة مباشرة دون جدل ولا مراء.
لأن العقلية الثقافية المعاصرة هي عقلية جدلية أكثر منها عملية، وإذا أراد الله بقوم سوءاً منحهم الجدل ومنعهم العمل.
وخلاصة الكلام وزبدة المخاض، هي أن الواقع عدوّ الحالم والمدّعي، ويتساقط تباعاً بالعيش ما لا يسقط جملة بالجدال.
ما زاد حنون في الاسلام خردلةً
ولا النصارى لهم شغل بحنون.