2024
Adsense
مقالات صحفية

مقال : يا شهر “نيسان” ..

أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com

يأتي شهر إبريل “نيسان” حيث تتفتح أزهار الكرز، وتشرق فيه أزهار الأقحوان ، حاملاً معه أريج الصيف ، حيث تتربع البيادر والسواقي ببعض ما تبقى من مباهج فصل الربيع الذي اكتست به الأرض تألقاً جميلاً من الإخضرار والورود والزهور، نعم ، نحن هنا في شبه الجزيرة العربية لا نعيش فصل الربيع الرائع بكل جوانبه الطبيعية ، ولكننا ندرك أن هناك مناطق كثيرة عبر امتداد الوطن العربي تعيش هذه الفصل عيشاً جميلاً، تتنفس من خلاله الأنفس التي تعيش فصلاً شتائياً ماطراً بقوة الماء والثلج والصقيع ، لذلك يأتي فصل الربيع ومن بعده الصيف ليعيد لهذه الأنفس بساطتها، وحميميتها حيث تتوزع على امتداد المرابع باسطة مودتها ، ومتحررة من كثير من أتعاب الشتاء الذي مر عليها.

نحن هنا في عمان نستنشق عطر الصيف مع اطلالة شهر “نيسان” الداعي بصورة أكبر لنا بالخروج من قمقم المنزل إلى واحات النخيل المظللة بأشجار الأمباء، والليمون والسفرجل، والبيذام ، أو إلى الوديان الفسيحة حيث الأجواء الرومانسية في الليالي المقمرة ، وحكايات كبار السن ، ومغامرات لا أول لها ولا آخر، حيث يفترش أبناء الحارة الواحدة امتداد أفق الوادي ، وتظل النجوم من يخلق حوار الكرى حيث يخيم الهدوء بعد لحيظات فتغرق النفوس في سبات عميق ، إلا من أضناه التفكير في أمر ما، ربما هذه الظاهرة اليوم اختفت بفضل وجود خدمة الكهرباء التي أغرت الناس بالمكوث أكثر بين الجدران الأربعة ، وحرمت الناس من دغدغت النسائم العليلة ، حيث نسيم “الكوس” المخدر للنفوس مهما اقلقها أمر ما من أمور الحياة اليومية.

شهر “نيسان” رسول محبة ما بين الطبيعة والبشر، تكثر بين أغصان الأشجار العصافير المزقزقة على عدد فروعها ، حيث تشهد ذلك الصخب الجميل ، وذاك التصادم الرائع بين سرب وآخر ، منبئ عن صيف تنشط فيه الطاقات ، وتسمو فيه الهمم ، فما تجود به النخيل بعد شهر ونيف من الآن يحتاج لمثل هذا النشاط ، ولمثل هذه الهمم التي تتوزع عبر واحات النخيل قاطفة وقاطعة ، حيث موسم الحصاد ، واحتفالية “التبسيل”، مجسدة مهرجانها الاجتماعي ، بما فيه من “خائنة الأعين وما تخفي الصدور” حيث تتلصص العيون في تجمع النوعين من مختلف الأعمار، وكم سمعنا من قصص هي أقرب إلى الفطرة منها إلى الشيطنة، وكم نمت علاقات جميلة تكللت فيما بعد إلى بناء شرعي باركه الجميع في احتفالية العرس ، هذا النشاط الاجتماعي الخاص بمناسبة “التبسيل” يضم لوحة “فسيفسائية” رائعة التكوين ، طبعاً اضمحلت هذه الصورة اليوم إلى حد كبير، ومن لم يزل يجاهد لا يجد في إحيائها إلا العمالة الوافدة التي أخذت الدور، ولكنها لم تأخذ روحها الناعمة، ولا ألقها الاجتماعي المتميز، وهذه إحدى الخسائر الاجتماعية في عصر ثورة الاتصالات.

من يتحدث عن شهر “نيسان” هو أنت وأنا ومن في أعمارنا، فأجيال اليوم لا تعي ما معنى شهر “نيسان”، ولا تدري ما معنى مختلف المظاهر الاجتماعية المرتبطة به، ولا تعي ما معنى مناخات الصيف الأخرى القادمة، يقيناً لن تعي ما معنى زقزقة العصافير وانتقالها بحرية الحركة بين أغصان الأشجار، وما معنى الحوار القائم بين الحمامة والفأر، حيث تصوره الحكايات الشعبية، وما معنى نمو الأعشاش بين دواخل أركان السدرة ، والسمرة ، وقليل من النخيل ، ولن تدرك ما معنى الهجرات الجماعية لخلايا النحل والصخب الذي تثيره على رؤس البشر في تنقلها ، ولن تدرك زحف الأفاعي ، والعقارب وتحررها من جحورها التي ضمتها طوال أشهر الشتاء ، ولن تدرك الكثير من العوالق التي تتحرر من معاقلها مع إطلالة شهر الصيف الذي بدأها “نيسان” الذي ودع منذ يومين .

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights