علّموا أولادكم بأن فلسطين هي مسكن الأنبياء
درويش بن سالم الكيومي
تُعتَبر أرض القدس هي العاصمة وأكبر مدن دولة فلسطين مساحةً وسكاناً، ولها أهمية في الدِّين والاقتصاد والتجارة، وقد عُرفت بعدة أسماء في القرون الوسطى، حيث سٌمّيت بيت المقدس، والقدس الشريف، وأولى القبلتين، وأطلق عليها في الكتاب المقدس أورشليم. ويُقال أن أول الهجرات البشرية إلى فلسطين كانت في القرن الثالث قبل الميلاد هي هجرة الكنعانيين والذين عُرفوا بأسماء الأماكن التي نزلوا بها حتى أصبحت هناك ثلاثة لغات هي:
الكنعانية والآرامية لغة المسيح عليه السلام، والعربية، ومنذ ذلك العصر ظلّت فلسطين تُسمى أرض كنعان. وإذا تحدثنا عن بناء المسجد الأقصى فليس هناك وصفٌ دقيقٌ عن تاريخ البناء، ومن هو الذي وضع لمسات بنائه، وقيل بأن سيدنا آدم أبو البشر هو من بناه، والبعض يقول بأن سام بن نوح هو من بناه، وقولٌ آخر بأن سيدنا إبراهيم عليه السلام هو من عمد إلى بناء المسجد الاقصى.
ومن فضائل بيت المقدس وما حوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عنه (أرض المحشر، والمنشر، ائتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره”، قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه؟ قال: “فتهدي له زيتا يسرج فيه، فمن فعل فهو كمن أتاه). رواهأحمد، وأبو داود.
ويُرجّح سبب تمسّك اليهود بأرض فلسطين لأنهم يعتقدون بأنها هي أرض الميعاد التي سيعود إليها اليهود، والسبب الآخر هو موقع فلسطين الجغرافي والاستراتيجي والاقتصادي، هو الذي سوف يحقق لهم المنافع والفوائد التي تجلب لهم الأموال الباهظة، ولم تكن فلسطين هي الوطن المختار للمشروع، ولكن بسبب الكثافة السكانية العالية وكانت واحدة من الدول الثلاث المقترحة هي فلسطين، الارجنتين، أوغندا، إلا أن فلسطين كانت الأكثر جاذبية للمهاجرين وللممولين، وفي نفس الوقت ربط المشروع بهدف ديني وعرقي، وهكذا احتُلت فلسطين على مرحلتين:
الأولى كانت في عام 1948، والمرحلة الثانية كانت في عام 1967، وما تزال الحرب قائمة منذ 75 سنة بين المسلمين واليهود على أرض فلسطين وغزة.
ومنذ السابع من أكتوبر وبقية القرى تحت الحصار والقصف المستمر والتدمير اليومي للمساكن والبيوت والمدارس والمستشفيات والطرق ومركبات الإسعاف، ومراسلي القنوات الفضائية، ووقوع ضحايا بالآلاف من المدنيين الرجال والشباب والنساء والأطفال، ولم يسلم الأطفال حديثي الولادة، وما يزال البعض تحت الركام بسبب قلة الإمكانيات في البحث والإنقاذ.
مواقف ومشاهد تُنقَل عبر التلفاز تقشعرّ منها الأبدان، وتَحزن عليها القلوب، وتدمع منها العيون، وتنفطر معها الخواطر، كم هي قاسيةٌ تلك المواجع المؤلمة لمن به إحساس ومشاعر إنسانية ووطنية وعربية وإسلامية ودينية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا “اللهم انصر المجاهدين في غزة وفلسطين على اليهود الغاصبين، ورُدّ كيدهم في نحورهم، واجعل الدائرة حولهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم اجعل تدبيرهم في تدميرهم، وأرنا في اليهود يوماً أسوداً، وأرنا فيهم عجائب قدرتك، إنك على كل شيء قدير”.
أذكّرك أخي القارئ في مقالي هذا، عندما يأتيك ابنك أو ابنتك وتسألك عن فلسطين وبيت المقدس وما هو السر الذي يحتفظ به المسجد الأقصى؟
علّموا أولادكم بأن فلسطين هي مسكن الانبياء، وهاجر إليها النبي إبراهيم عليه السلام، وسيدنا لوط عليه السلام نجّاه الله إليها من العذاب، والأرض المباركة وأرض الكنانة هي أرض فلسطين، وسيدنا داوود عليه السلام عاش في فلسطين، وبنى محرابه فيها، وسيدنا سليمان عليه السلام حكم العالم كله وهو في أرض فلسطين، وقصته الشهيرة مع النملة التي ذُكرت في القرآن الكريم، الآية رقم 18 من سورة النمل، وحدثت في فلسطين بمكان يسمى وادي النمل، وفي فلسطين محراب سيدنا زكريا عليه السلام، وسيدنا موسى عليه السلام طلب من قومه بأن يدخلوا الأرض المقدسة وهي أرض فلسطين، ولماذا سميت بالأرض المقدسة؟ لأنها مُطهّرة من الشرك، فهي مسكن الأنبياء، وحدثت فيها عدة معجزات:
وهي ولادة سيدنا عيسى عليه السلام مع أمه العذراء من غير زوج، حيث هزّت السيدة مريم عليها السلام بجذع النخلة وهي في أصعب حالات المرأة عند الولادة، وتساقَط عليها رُطباً جنيّاً، لتأكل بعد الولادة، ورفعه ربّه إليه حتى لا يقتله بنو إسرائيل.
وفلسطين أرض المحشر والمنشر، والتي سوف نُحشر فيها يوم القيامة، وإن يأجوج ومأجوج سوف يُقتلون على أرض فلسطين، قصصٌ كثيرة مثل قصة طالوت وجالوت.
ذكّروا أبناءكم بأن المسجد الأقصى له قدسية ومكانة عالية لدى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وأن المسجد الأقصى هو أولى القبلتين، والله سبحانه وتعالى أمر سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بأن يصلي إلى المسجد الأقصى قبل أن تنتقل القبلة إلى المسجد الحرام.
كم هي عظيمة أرض فلسطين في قلب كل مسلم ومسلمة، أرضٌ مقدّسة ومبارَكة بنَصٍّ من القرآن الكريم، فيها المسجد الأقصى أول قبلة للمسلمين وثاني مسجد بني على الأرض وثالث المساجد مكانة في الإسلام، أرض الإسراء والمعراج، وقد تشرّف سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بأن أُسْريَ به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عُرج به إلى السموات السبع، وهي أرض الأنبياء وقد ولد فيها الكثير وعاش فيها الكثير ودفن في ثراها الكثير، وهي أقدم المناطق الحضارية في العالم، وفي الحقيقة نحن على يقين تامٍّ لا جدال فيه بأن للمسجد الأقصى ربّاً يحميه {نصر من الله وفتح قريب}.