ال18من نوفمبر جاء متضامنًا لا محتفلًا
هلال بن حميد بن سيف المقبالي
h.h.s.muq@gmail.com
في هذه الأيام نعيش فرحة الاحتفال باليوم الوطني العُماني الثالث والخمسين المجيد، هذا العيد الوطني الذي يطلّ علينا كل عام في يوم الثامن عشر من نوفمبر، هذا اليوم الذي ولد فيه والد الشعب العُماني، السلطان الراحل “قابوس” طيب الله ثراه.
كم هي الذكريات التي تختزن في هذا الشهر، وكم هي الوقفات التي تمجد اللقاء الأبوي بشعبه الوفي، أيام لن ولم تنسى؛ فرسوخها في الذاكرة بني على حب عميق زرعه السلطان الراحل طيب الله ثراه في وجدان كل عُماني، منذ الطفولة حُفر في ذاكرته الفطرية؛ فنتج هذا الحب اللامتناهي، فكم من إنجازات وضعت، وكم من مشاريع وجدت وكم من خدمات وفرت؛ فكان لهذا الأب القائد الباني الأفضل وبتوفيق من الله في وجودها.
كم سنة مرت بعد رحيله، وكم هي ذكرى رحيله مؤلمة، ورغم ذلك لم تفل شمسه من ذاكرة الإنسان العُماني، فكيف تغيب وهي مشرقة في جميع جوانب البلاد من شرقها إلى غربها، وشمالها إلى جنوبها، كيف تُنسى مسيرة أشرقت نورًا لمدة خمسين عامًا و لا زالت عُمان بعهدها الجديد تستمد خطاها من هذا النور، فسلامًا ورحمة لروح “قابوس”، وطاعةً وعونًا لمن ولاه أمرنا.
إن الفرحة بالعيد الوطني وما يتخلله من تزيين للشوارع والبنايات والمباني والمرافق الحكومية بقطاعيها العام والخاص، وحتى مساكن المواطنين تضفي جمالًا وروعة لهذه الاحتفالية السنوية، وما تليها من الإحتفالات المتوالية خلال هذا الشهر، شهر نوفمبر المجيد، والسيناريو الذي وضع لهذه المناسبة من إحتفالات وابتهاجات وفرحة عامة لربوع سلطنة عُمان ينتظرها الجميع، ليعبرون عن فرحتهم وولائهم لقائدهم؛ إلا إن الثامن من نوفمبر هذا العام (2023م) جاء متضامنًا لا محتفلًا، وسيسجل التاريخ هذا الموقف المشرف لنا.
الأحتفال بالعيد الوطني هذا العام 2023م، جاء في فترة محنة يعيشها إخواننا المستضعفين في فلسطين والأحداث الدامية في غزة العزة، والقصف الصهيوني الهمجي للمباني والمرافق العامة في قطاع غزة، والمجازر الجماعية، والتي قتل فيها الأطفال والنساء وكبار السن، دون أن ترف عين لهذا الكيان الصهيوني المحتل ومن حالفه وسانده، والتي وقفت كل الهيئات والمنظمات الدولية، موقف المتفرج!، فكيف لنا كدولة إسلامية أن نحتفل ويحلو لنا ذلك وأخواننا يقتلون في غزة.؟.
من هنا جاءت الأوامر السامية بإلغاء جميع مظاهر الإحتفالات المعتادة في هذا الشهر المجيد، مقتصرًا جلالته بالعرض العسكري، وهو عرف سائد لجميع إحتفالات البلاد بالعيد الوطني، ويحق لهذه القوات تقديم الولاء والطاعة لقائدها المفدى، وكيف لا وهي الحارس الأمين للوطن والسلطان والشعب.
تظهر سلطنة عُمان بموقفها هذا ضاربةً الأمثال في هذا الموقف الحالك الذي يميّز بين المع والضد في القضية الفلسطينة، فكانت عُمان بسياسة مبادئها وقيمها العربية والإسلامية، وهيبة وجودها ومكانتها العالمية التي خطها سابقًا ومشى عليها والدنا السلطان الراحل”قابوس” طيب الله ثراه، لتقف وقفة حق لهذه القضية العربية الإسلامية، والتي صاغها الشعب بتضامنه مع الشعب الفلسطيني، ووقوفه مع القضية، وترجمتها الحكومة واقعًا، وبمباركة من جلالة السلطان “هيثم” حفظه الله ورعاه، هذا القائد الشهم الذى وقف مع شعبة وقفة بطولية لم نراها في باقي الدول، وأمر وزرائه وكل من له صوت أن يتكلم بكل حرية في هذا الشأن بدون شرط أو قيد، وشجع الشعب على الوقوف مع أهلهم في غزة، وما خطابه أمام مجلس عُمان إلا تجسيدًا لهذا المسعى؛ حيث قال: “تتضامن سلطنة عُمان مع الشعب الفلسطيني الشقيق، وتدعم كافة الجهود الداعية لوقف التصعيد والهجمات على الأطفال والمدنيين الأبرياء، وندعو المجتمع الدولي للإطلاع بمسؤولياته لحماية المدنيين وضمان إحتياجاتهم الإنسانية”.
وهي نفسها رؤية السلطان الراحل طيب الله ثراه، ولا ننسى ما قاله في هذا الشأن في إحتفالات العيد الوطني الثامن والعشرون عام 1998م حيث قال: “نتابع باهتمام تطورات القضية الفلسطينية، ونؤكد تأييدنا ودعمنا للمبادرات السلمية الفلسطينية، ولكل المساعي والجهود التي تقدم مساهمة جادة ومخلصة للتوصل إلى حل عادل ودائم للقضية، يرفع عن كاهل الشعب الفلسطيني نير الاحتلال وكل ألوان الظلم والمُعاناة، ويُعيد إليه حقوقه الوطنية في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة”.
وهذا واضح من النهج السوي بين القائدين في هذه القضية؛ لهذا كان موقف سلطنة عُمان من القضية الفلسطينية ثابتًا عبر التاريخ ولم يتغير مُطلقًا رغم تقلبات الأحداث السياسية، لأن ارتباط الشعب العُماني بقضية فلسطين عميق، ونابع من الشعور بالمسؤولية، والتزامًا منه بروابط العقيدة الإنسانية، والهوية العربية.
اللهم احفظ هذا البلد” سلطنة عُمان” آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً، وانصر اللهم إخواننا في فلسطين عامة، وفي غزة خاصة على من عاداهم واغتصب أرضهم.
وكل عام وعُمان وشعبها في خير وتطور ونماء.