“متحف تواصل الأجيال” جسر زمني يربط بين الماضي والحاضر
عادل بن رمضان مستهيل
زيارتي لمتحف ” تواصل الأجيال ” في ولاية طاقة كانت تجربة لا تُنسى، حيث تمثلت هذه الزيارة في مزيج فريد من التاريخ والثقافة والإرث العريق لهذه الولاية بشكل خاص و محافظة ظفار بشكل عام.
دخلت المتحف وسط أجواء تعكس تراث المنطقة بكل تفاصيله. حيث يقع المتحف في الحي القديم بالقرب من حصن طاقة وبرج العسكر، وتم افتتاحه في شهر فبراير 2023م، ويشتمل على “الساحة الخارجية” إلى جانب أربع قاعات رئيسة وهي: قاعة “الاستقبال”، وقاعة “أم سالم”، والقاعة الكبرى، وقاعة “ديرهم” المختصة بالعملات النقدية.
و يُعد متحف تواصل الأجيال بولاية طاقة أول متحف خاص مُرخَّص من وزارة التراث والسياحة في محافظة ظفار، ويهدف إلى الحفاظ على الموروث التراثي ومفردات الثقافية العُمانية.
و استهليت رحلتي للمتحف بالاستقبال المفعم بالود والمحبه من صاحب المتحف سالم بن أحمد محاد العمري و بالتعرف على تاريخ نشئة فكرة المتحف بالولاية حيث قال : تعود تسمية المتحف «تواصل الأجيال» لإيمان الوالدة طفول بنت رمضان عوض بامخالف – رحمها الله- و التي كانت تحلم بإقامة متحف خاص ؛ و تحقق الرسالة التي تسعى من خلالها إليها للحفاظ على التراث والهوية الظفارية. حيث بدأ تجميع المقتنيات الأثرية المختلفة منذ عام 1983م.
و كانت تسعى لتحقيق هذا الهدف من خلال المشاركات في المعارض التي أقامتها. حيث أقامت معرضا أسمته “همسة الماضي” وتعني كتابة الرسالة ثم “دمغة الماضي” وتعني ختم الرسالة ثم “معرض تواصل الأجيال”.
ولكن رحمة الله عليها وافاها الأجل قبل تحقيق حلمها الكبير في إقامة متحف تراثي يتوثيق التراث من خلال إصدار الكتب و المقتنيات الاثرية و التراثية كأدوات والصور والفيديو وغيرها . وقد أخذت على عاتقي بعد وفاتها تحقيق هذه الأحلام حيث أقمت المتحف وأصدرت كتابا عن خمس صناعات والسعي جار في مواصلة هذا العمل. وأضاف تمثل المعروضات الأثرية والصور التوضيحية بهذا المتحف مصدرًا قيمًا لفهم تطور الحضارة في هذه المنطقة.
و استمتعت بتجوالي في أقسام المتحف المختلفة للفنون والبيئات والحرف اليدوية التقليدية.
و كان لدي الفرصة للوقوف أمام قطع فنية فريدة تعكس براعة الحرفيين المحليين و رؤية الحرف التقليدية مثل النسيج والخزف والنحت التي كانت ملهمة وأظهرت ارتباط سكان المنطقة بتقاليدهم.
أقسام المتحف
١- قاعة الاستقبال بالمتحف:
تجسّد البيئة البدوية بخيمتها المنسوجة من صوف الحيوانات والصناعات الحرفية والسعفية وبعض أدوات التقليدية في الطبخ والزي البدوي وبعض الأدوات الموسيقية مثل الضرغام والربابة، وكذلك توجد مكتبة ثقافية مصغرة، إضافة إلى بعض المقتنيات المتحجرة القديمة.
٢- قاعة “أم سالم” :
و هي للحرفية الراحلة الوالدة طفول بنت رمضان بامخالف التي تضم مقتنيات وأدوات أثرية قديمة تمثّل البيئة الحضرية وما تحويه غرفة النوم، وأدوات الزينة والطبخ قديمًا، إلى جانب المناديس والصناعات الحرفية المرتبطة بالبيئة الحضرية مثل حرفة السعفيات المسماة “القفع”.
٣- القاعة الكبرى تضم قسمين: قسم زينة الرجل والمرأة في ظفار، وقسم البيئة الريفية.
أن القسم الخاص بالأزياء التقليدية يمثّل البيئات الحضرية والريفية والبدوية، إلى جانب أدوات الزينة المستخدمة والخناجر العُمانية والصناعات الفضية والبخور.
ولفت إنتباهي أن قسم البيئة الريفية بالقاعة الكبرى يجسّد البيت الريفي و المكوّن من الخشب والقش والحبال وأدوات المطبخ والزي الريفي للرجل والمرأة كالصبيغة وثوب النيل وصناعة الجلود والفخار والسعفيات وأدوات استخراج السمن البلدي المسمى محليًّا “القطميم”، وسرير “مهد” الطفل.
٤- انتهت رحلتي في المتحف بزيارة قاعة “ديرهم”:
و باللهجة المحلية تعني النقود، و يحتوي على نماذج متعددة ومختلفة من العملات الورقية والمعدنية والتذكارية المتداولة قديماً في سلطنة عُمان إلى جانب إبراز صور سلاطين عُمان وبعض المجسمات كالقلاع والحصون والأبراج والسفن.
أن الصور التوثيقية التي يحتويها المتحف يعكس حياة السكان المحليين عبر العصور. و كانت هذه اللمحات البصرية تعكس تغيرات الحياة والعادات على مر الأجيال.
في الختام، كانت زيارتي لمتحف تراثي في ولاية طاقة تجربة ثرية وتعليمية. ومن الجميل بالمتحف أن يحضي الزائر بتجربة الزي التقليدي وخاص للفتيات ما يحمله هذا الزي الجميل من أدوات الزينة التقليدية من اساور وحلق وخواتيم من المصوغات الفضية التقليدية القديمة.
كان المتحف يعمل كجسر زمني يربط بين الماضي والحاضر، ويسلط الضوء على التراث الثقافي الغني لهذه الولاية المذهلة.