طلاب هذا الزمان
د. أحمد محمد الشربيني
عزيزي القارئ، لله در الخليل بن أحمد الذي قدح زناد فكره ليبصرنا بحال أهل العلم في عصره قائلاً:
(( الرجال أربعة:
رجل يدري ويدري أنه يدري؛ فذاك عالم فاسألوه، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري؛ فذاك ناسٍ فذكروه، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري؛ فذاك جاهل فعلموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري؛ فذاك أحمق فاتركوه”.
ولكني أقول للخليل- رحمه الله-؛ على رِسلك يا عالم العربية فما أسوأ أحوالنا العلمية في ثالث الألفية!! فكم هو عجيب أمر طلاب هذا الزمان!!؛ فلقد أطلقوا العنان للانحطاط السلوكي والتردي الخُلقي؛ فكان الخواء المعرفي!!
وكي نزيد الأمر جلاءً فإن العدل والإنصاف يبرز لنا عدة ضروب وأصناف:
(١) فهناك طلاب العبثية والفوضوية أرباب الذاكرة السمكية في المعارف، خاملون وبالفتيات هائمون، وبالنهار هم نائمون، وفي الليل لا يستذكرون، وبالأسحار هم ساهرون ماجنون يعاقرون الجوالات ويرتادون مواقع الفسق والموبقات، وعند الامتحان لا يراجعون ولا يستذكرون؛ بل يعمدون للبرشام وإرهاب المراقب الهُمام حتى يركن للإذعان ويترك لهم حبل اللجان؛ فيكون التفوق والنجاح بلا كد وكفاح وذاك هو الداء الزؤام.
(٢) وثمة طالب عبقري متوقد الذهن والقريحة؛ لكنه لا يستذكر إلا قبيل الامتحان، ويغامر أقران الرهان، وهؤلاء قليل ٌمنهم قد صادفه الحظ وله دان وأكثرهم صار في خبر كان وسقط في وهدة الفشل والنسيان!!
(٣) وثمة طالب غني ينتسب لبيت ثري وأب قوي له في القول سطوة وخلف الكواليس تربيط ورشوة.. فلم المذاكرة والتعب وورقة الامتحان حق مكتسب!! وهؤلاء للأسف ينجحون ويتفوقون وفي أعلى الجامعات الخاصة يرتعون وفي أسمى المناصب يقبعون!! ومن دونهم يذوقون ريب المنون!!
(٤) وهناك طلاب ذو كفاءة عقلية وشهامة أخلاقية ذو مهارات بدنية وخصائص جسمانية تؤهلهم للانخراط في ركاب الفرق الكروية أو الانضواء تحت لواء العسكرية؛ لذا لا يحفلون بالمذاكرة والتحصيل، ولا يأبهون بالبحث والتدليل… فهدفهم الأدنى درجات النجاح الندية، ومطمحهم الأسمى مراتب الجندية الفتية أو المحافل الكروية؛ حيث الملايين الاسترلينية والبرامج الرياضية والأضواء الجماهيرية، وكم رأينا منهم ساسة وزعماء ونجوم رياضة نجباء!! فسبحان مقسم الأرزاق في السماء!!
(٥) وهناك طلاب النفعية المادية والنزعة الميكافلية، فم يسبح ويد تذبح، مبدأهم الغاية تبرر الوسيلة، ويعمدون للمكر والحيلة في سبيل التفوق والفلاح بأقل كد وكفاح، يصاحبون الأخيار ويتملقون الأغمار، وإذا نالوا مآربهم كانوا كالثعلب المكار تلقى منه الجحود والنسيان والفرار!! وهم من أخطر الأصناف على مجتمعنا؛ فمنهم المهندس الذي يداعبه الثراء فيتلاعب في مواد البناء ليحصد الأرباح على حساب الأرواح، ومنهم الطبيب الذي أملق وفاضه من الأخلاق وخشية الواحد الخلاق فيتحرش بمرضاه أو يتاجر بأعضاء موتاه، ومنهم الإعلامي الفاسد الذي يأكل على كل الموائد..!!
(٦) وهناك طالب العلم الذي يمتاز بالصبر والحلم، يستذكر نهارًا ويقضي ليله ذاكرًا مكثارًا.. لا تفوته طاعة ولا يتكاسل عن عبادة يبتغي من الله الرفعة والزيادة؛ وما أقل هؤلاء النجباء الأتقياء في زمان أضحى فيه الرقص وسيلة تعليمية، وبات فيه الغش فلسفة حياتية، والتزوير ضرورة تقنية وصورة حضارية.. فلا عجب ألا يجد هؤلاء المجدون مكانًا لهم تحت شمس الريادة في زمان أنصف أرباب المعاطب والوسادة وأدنى منه أبناء المناصب والقيادة؛ لأنهم بكل بساطة وسذاجة أحفاد الباشات والسادة!!!
أما هؤلاء الفائقون ففي مؤخرة التعيينات وأدنى الاعتبارات والترشيحات.. طالما هناك أرباب الوساطة والمحسوبية والتوصيات السيادية!!
لكن هذا ليس مدعاة لليأس والإحباط؛ فطلب العلم أشرف غاية تقتضي من صاحبها الإخلاص والرعاية؛ ولله در القائل:
من طلب العلم للمعاد
**فاز بفضل من الرشاد
فيا لخسران طالبيه لنيل فضلٍ من العباد.
فعلى طلابنا الجد والكد والتوكل على الواحد الأحد؛ وعليهم أن يحتشدوا لطلب العلم بعدة ضوابط. قال أحد الشعراء:
أخي لن تنال العلم إلا بستةٍ
**سأنبيك عن تفصيلها ببيان!!
ذكاء وحرص واجتهادٌ وبُلغةٌ
**وصحبة أستاذٍ وطول زمان!!
فيا ترى أين طلابنا الآن من آداب القدماء وسجايا العلماء الأتقياء؟!!