خلا دكان عمي فارس
سليمان أولادثاني
خلا دكان عمي فارس … عبارة يرددها أطفال العائلة كل ما خرجنا من البيت ذاهبين الى المحلات التجارية لغرض التسوق أو شراء حلويات أكرامية لهم أو هدية بعد أنجاز عمل طلبته منهم أو سلوك حسن فعلوه…. أخر مرة تلفضوا بها قبل وفاته بنصف ساعة عندما خرجنا لإداء الصلاة على أمل أن نراه في محله الجديد الذي يعتبر أنجازاً لشخص طموح مثابر متحدي للعقبات والصعاب ليقديم خدمة التسوق المتكامل في مكان واحد والذي كنت أسمية *اللولو الصغير* بعد إمبهاري بكل ما قام بتوفيره من أغراض ومستلزمات بأسعار مناسبة للجميع وبخدمة المحاسبة الإلكترونية والفاتورة الورقية السريعة.
*خلا دكان عمي فارس* سمعتها منهم بعد صلاة المغرب ولم يعلموا أن عمهم فارس الذي كان معي في ملعب كرة القدم بعد صلاة العصر يركض ويلعب ويمازح الشباب ويحكم بالصفارة فارقهم بلا عودة.
لم يعلموا أن ذلك الرجل الذي كنا نقصد محله كل مساء وعندما يراهم ينهل عليهم بالتعليقات و مواقفه المازحة والمهاترات التي كانت بينهم لتنتهي بضحكات وابتسامات متبادلة.
وعندما نقضي حوائجنا ويخرج لوداعنا بالمواقف يقول كلمته التي لازلت اسمع حروفها ترن في أذني *سمحلي الغالي تراني أمزح مع أولادي* فلا يودعنا إلا باعتذار وتسامح وهم فعلا كانوا أولاده لإنهم يأخذوا ويعطوا معه بكل أريحية ولأنهم يعلمون مدى حبي له وإحترامي لشخصه الكريم الخلوق في تعامله.
لم يعلموا بأنه لن يستقبلهم مرة اخرى من عتبه باب المحل، ولم يعلموا بأنه لن يأتي مرة اخرى يطرق على مكتب أبيهم لأنهي معاملة أو طرح مقترح يخدم المجتمع، فقبل أسابيع قال لي لقد خصصت ركن للأسر المعسرة والمنتجة لبيع منتجاتهم وعرضها بالمجان في محلي وكذلك ركن لمنتجات الأطفال المعاقيين يمكنهم عرضها في المحل وسأقوم ببيعها لهم بالمجان .
لم يعلموا بأنهم لن يروا ابتسامته عندما ندخل المحل قائلاً لهم *أشتروا كل شي وخسروه*، ولم يعلم المجتمع أن كراتين الماء والعصائر والوجبات الخفيفة التي يجدونها في كل معسكر عمل خيري أو تطوعي كانت من دكان فارس لان شماله ما كانت تعرف ما تنفقة يمينه.
وفي ليلة شتاء قارص وظلمة حالكه أنطفى حسك يا فارس من هذة الدنيا التي لا تسوى جناح بعوضة وسط جنازه مهيبة أنساق لها الناس من شتى بقاع السلطنة ومن الدولة المجاورة، فعندما شاهدت كل تلك الجموع تقف وكلهم ألم وحزن على فراقك وكلهم يبكون على وداعك، أغبطك على خاتمتك و أدركت حينها أنك تركت عمل صالح و كلمة طيبة وابتسامة صادقة في كل من حضر وأن هنالك معروف خلفته ورائك لا يمكن ان يتناساه من كان يمشي على طرقات حيل اليمن ويتمتم قائلا” *فارس فقيده وخبر وفاته أفجعه* .
شاهدت عمي محمد وهو يخفي دموعه بحرقة وأبو يحيى وهو يضرب بالشيول ويقول هل هذا قبر فارس فعلا” والكثير منهم غير مستوعب رحيلك، أما إخوتك لم أستطيع النظر اليهم إلا واحد منهم سحبني على غفلة يقول لي صاحبك راح صاحبك راح، هو راح و أستراح من الدنيا فعلا والجنة مثواه باذن لله.
فراقه شغ في القلب لا ينجبر ولا سبيل الا الدعاء فالدعاء أسمى وأرقى تواصل، رحمة الله على روح لطالما أسعدتنا وتعلمنا منها الكثير والكثير.