ضَجيجُ الصمت
هيثم بن حمد الجهوري
كم إقترفنا ظُلماً وعدواناً بأن الصمت ما هو إلا عنوان الوهن ونرمقهُ بإزدراء إلى أن رأيتُ ذاك الصامت الذي ألفنا صمته وخنوع جوارحه
رأينا كيف يُقلب بصره في فضاء الأمنيات حتى انهمرت عيناه بدموع تحمل معها آهات كانت حبيسة الأهدابِ والمُقلِ إحمرَ الوجدان لها من لهيب حُرقتها، دموعِ تبدد ما بقي من إدعاءات بالهدوء والسكينة لتسيل بعدها قوافي الآلم وأوجاع السنين فتفيضُ بها دروب الحشى وتحمل معها ما بقي في مدافن الروح
حتى تطفو على سطح الفؤاد فتبعثر الأنفاس التي تسعى في إيقاف تدفقها ولملمة بقايا عبثها وترميم تصدع جدرانها.
ما أقوى الدمع على حمل كل تلك القوافل واجتثاثها من أوكارها…
لم أقوى على إمتلاك ذاتي بعد هول ما رأيت أخذتُ أبحث عن عمود أفكاري أسند عليه ثقلها وتداعيتها.
وما أن خالجني شعور الإرتياح والهدوء إذ بحشودِ غفيرة من الصمت تقتحم المكان صير دهشتي وجنوني
من أنتم؟؟
لما كل هذا الحشد؟؟
وغيرها الكثير من قوافل الأفكار التي مرت مسرعة أمام ناظري
قلتها وإن لم أبح بها قلتها لأجد القلوب المصغية بين الحشود
هنا نحن نحمل لك الصمت في تنوعه حتى يسهل عليك التفريق بين أنواعه بعد ظلم التعميم بأنهم سواء
فارخيتُ مسمعي لأجد أحدهم يتقدم ويقتلع جلباب الصمت ويسرد..
تجدني في محطات القطارات والمطارات ومراسئ السُفن جميع الكلمات والعبارات تزف بأفواه موصدة تنقلها ابتسامة أو تمايل أنامل تحاول إخفاء كل ما يعتريها من أفكار أو قُبلات بالعين حديثها يطول والأفواه ما زالت موصدة الأحكام
أو أحضان تلفها الوعود والأمنيات وآحرها أصدق الدعوات تجد أحدهم يجر حقيبة أحلامها مدبراً وعلى بعد خطوات آخر يودع ب النظرات والدموع تتبادل حديث عجزت قواميس اللغة عن احتواء مفرداتها حتى يقطع ثرثرة النظرات تدافع المغادرين
وغيرها الكثير من حكاياتي..
في الموت والسفر والغربة والفراق والبعد والإختفاء
تجدني في كل محطات الوداع..
إقترب مني وهمس
أكثر أنواع الوداع ضجيجاً هي الوداعات الصامتة
رمقته بحدة ثم أتبعته بنظرة إنكسار ثم تمتمت لا زال رأسي مثقلاً بأنين ضجيجك..
ثم تقدم آخر يجر جلبابه في خيلاء وتعالي
لا داعي للتعريف بمن تكون فأنت الذي أمقته جداً إنه صمت ” الآنا” السلبية
المتدثرة بلباس التعالي والغرور التي ترافقها نظرات لا تقل عنها تعالياً أو غروراً واستعلاءً على الناس وزدرائهم…
ثم يقترب آخر ملامحه معروفة لدينا من أنت مبادراً إياه في إرواء الذات
قال أولم تعرفني؟؟
أنا نديم خلوتك في إحتساء أفكارك
أنا سميرُك في ليل عزلتك
أنا أنيس كتابك
عذرا يا صاحبي
عذرا أيه الصمت الأنيق
رغم سهولة الصمت الإ انه أشد ثقلاً من الكلام رغم أنه لا يُبذل فيه أي مجهُود الإ آنهُ أكثر إرهاقاً وتعباً من الحديث
وكيف لا يُتعبنا وضجيجه لا يزعج الإ مكامن أرواحنا التي لا تجد ملجاً الإ تساقط العبرات والتنهيد المتثاقل وكأنه حشرجات في الصدر تلتقطها أيدينا محاولة عبثا لملمة أرواحنا
الصامتون…
هادئون كالليل مبعثرون كالنجوم