ميحة الباطنة، قرية تجمع بين الحضارة والتراث والسياحية
درويش بن سالم الكيومي
تُعتَبر القرى الجبلية في السلطنة الحبيبة متعة في عين الزائر والسائح والضيف، وسوف نتحدث عبر صحيفة البنأ الإلكترونية عن ميحة الباطنة التي تقع بين السلاسل الجبلية، ويُطلق على اسمها معانٍ كتبرة اشتُهرت به على مرّ العصور، حيث أن الاسم اشتُقّ من كلمة الانخفاض الذي يكون بداية التكوين، ويمرّ بعدّة مراحل تظهر أمام العين، وهو المكان ذي المياه الغزيرة التي تتدفق من كل الجهات، هذه هي ميحة بني كيوم إحدى القرى بولاية الخابورة، ويمكن الوصول إليها بواسطة الطريق المعبّد القادم من قرية قارح الأقرب مسافةً إليها، والذي يبلغ 32 كيلو متراً، وقد حظيَت بالعديد من المنجزات الخدمية في عهد النهضة المباركة، وهي سفلتة الطريق، والتيار الكهربائي، وخدمة المياه، وشبكة تقوية الهاتف النقال، وإنشاء مدرسة للتعليم الاساسي، كل هذا تمّ في العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد طيّب الله ثراه.
وقبل أن تصل الميحة سوف تمرّ على حلة النمرة، ومن ثَمّ تصعد العقبة، وعند النزول سوف تشاهد جزء الحارة الشرقي ومنازله العالية، وتستمرّ حتى تتوسط الوادي، وسوف تشاهد معالمها الأثرية والسياحية التي تتميز بها عن غيرها من القرى، مثل بناء الجدار القائم بالحصى والطين، وقد وُضعت بها التصاميم المعمارية الجميلة، كذلك بناء المنازل، وما يزال البعض منها قائماً، وقد تفنن مَن وضع عليه لمساته الأخيرة منذ زمن الأجداد رحمهم الله، وقد اندثر البعض منها في إعصار شاهين، والبعض ما يزال يقاوم عوامل الطقس حتى يومنا الحاضر. ومن يصل إلى هناك سوف يزور السبلة التي تقع بالطابق الثاني من الجامع، والتي يجلس فيها الأهالي والضيوف لتناول القهوة العمانية وأخذ العلوم، وهي عادة يتمسك بها سكان القرى الجبلية في تبادل الأحاديث، لا شك بأن قرية الميحة لا تخلو من الأماكن الأثرية حيث عُثر في ظهرة المصالي على نقوش ورسومات وكتابة بالخط المسماري على الصخور التي تدل على الأحداث في ذلك الزمن.
ومن المواقع السياحية: المركض، ساهك، سدر السود، الكيبي، المنزفه، البديعة، غور التين، حيل أولاد حمود، القصيرة موطن الأجداد، حيل أولاد عبدالله والستال، كما يوجد بها برج الحارة، الغوير، الغرفة الذي بُني على شكل منزل وهو الآن يوشك على الاندثار وهو على قمة الجبل، وبها جبل الحبك الذي ما يزال يحتضن أكبر صخرة معلقة تسمى الموكبة بالأسقف الصغيرة، بالإضافة إلي جبل الحبك وبه طوي الوطية، والطوى العلوية والمنزف، حارة السوقمي والغوير وحارة سكة الصباح وحارة سكة المصلى، والعضيدة والمنزفة، والبويضاء، وحلة النمرة، ويصل عدد السكان إلى 400 نسمة، موزَّعين على الحلل السكنية، إضافةً لـ(7) مساجد تؤدّى بها الصلاة، وهي: مسجد الريب، السبلة، الكيبي، الحارة، النمرة، وجامع الميحة، وقد أعيد بناؤه على نفقة أصحاب الأيادي البيضاء شركة الكيومي للتجارة والكهرباء، ومسجد الأعياد، وما يزال الأهالي يتمسكون بالموروث الشعبي (صناعة السعفيات) والفنون الشعبية، والعزوة التي تؤدى في مناسبة العيد.
ويعتمد الأهالي على تربية الماشية والزراعة وتربية مناحل العسل، ومن المزروعات: الليمون، المانجو، والتين، الزيتون، والعنب، والحناء، واللوبيا، والمنج، والسفرجل، والنيدان. ومن أهم أشجار النخيل هي النغال، الفرض، قش طبق، الخنيزي، قش سويح، البرشي، ونخلة الخصاب التي تبقى آخر النخيل على مستوى القرى الجبلية. ومن الأشجار الظليلة: السوقم والسدر واللثب، والحبن، والشوع الذي يستخدم ورقه خلال أيام الأعياد ويوضع بداخل خصفة الشوى حتى تظهر رائحته الطيبة أثناء تناول وجبة الغداء في اليوم الرابع. وتُسقى المزروعات بالأفلاج الغيلية: فلج الحبك، السوقمي، الستال، المنزفة، الكيبي، ويوجد بها ثلاثة عيون: عين الرسة، الكيبي، وضاحية العين، بالإضافة إلى الوادي الشهير الذي أُطلِق عليه اسم القرية، وياتي وادي الميحة من ولاية عبري، ويمتد جريانه حتى يصل البطحاء. وقد حظيت الميحة بإنشاء سد للتغذية الجوفية، مشروع مشترك بين الوزارة الموقرة والأهالي، ويبعد السد (3) كيلو مترات يسمى غيران حديد، وقد احتجز الكمّ الهائل من المياه بالإمطار الأخيرة. ومما يُعرف عن أهالي الميحة بأن الاغلبية كانوا يحبون التجارة والسفر داخل وخارج السلطنة من أجل طلب الرزق، وانتقلوا إلى عدة قرى: ولاية مدحا، مدينة صحار، ولاية صحم، مدينة نزوى يوجد بها أولاد مالك الكيومي، مدينة الرستاق، وادي بني هني وادي السحتن، زولة ونيابة الحوقين.
وفي السويق استقروا في البطحاء والبداية، ولهم أحفاد حتى يومنا هذا. كذلك فإن العمانيين لهم باع طويل في السفر والتنقل والتجارة والملاحة البحرية، وكانوا أسياد البحر، حيث وصلوا إلى الهند والصين ومصر والولايات المتحدة، حتى كوّنوا علاقات طيبة خارج السلطنة، أيضاً تمكّن بعض أهالي الميحة من السفر إلى زنجبار أرض القرنقل، وانتشروا هناك في عدة أمكنة هي: الجزيرة الخضراء وبرواندي وروندي وبيبمى وممباسه ودار السلام وبيكوبا وتانقا ودو دوما ومقديشو التي تمركز بها شيخنا العلامة الجليل هلال بن ناصر بن علي الكيومي، والذي كان مفوضاً من قِبل الوالي بالسماح بنزول كافة الإخوة العمانيين الذين يرغبون بالإقامة، وظل هناك رحمه الله لأكثر من (57) سنة. وكان يأتي زيارة إلى الميحة ويسافر الي مقديشو، ولكن في عودته الأخيرة لم يمكّنه الأجل المحتوم من العودة، حيث توفي في موطنه الميحة سنة 1967 في شهر رمضان المبارك بعد صلاة الوتر، فهو من الزاهدين في العلم وحفظة القران الكريم والأحاديث والسيرة النبوية، ومن أهل المشورة والرأي، وعن أيام حياته حدثنا عنه ابنه ( أحمد بن هلال) الذي يقيم في منطقة البداية، حيث قال بأن والده أحسّ بالمنيّة تقترب منه قبل صلاة التراويح، رحم الله شيخنا العلامة الجليل (هلال) وتغمّد روحه الطاهرة إلى جنات النعيم مع المقربين والصديقين والشهداء الذين شهدوا له بالوحدانية وصدقوا بالرسالة، وجاهدوا في الحياة الدنيا خير جهاد. ومن أجل طلب الرزق والحياة الكريمة هناك أصبح العمانيون خارج السلطنة تجاراً لهم شهرتهم ومكانتهم الطيبة بين الدول، كتجارة القرنفل والعاج واللبان وغيرها من التجارة الرائدة في ذلك الزمن. وقد امتلك البعض منهم محلات تجارية في زنجبار وتنجاء والجزيرة الخضراء وممباسه ودار السلام.
والبعض عاد إلى السلطنة في العهد الزاهر الميمون لحضرة صاحب الجلالة طيّب الله ثراه، والبعض ما يزال هناك استقرّ مع أسرته. فالميحة تُعتبر من أجمل القرى السياحية الخصبة بعد هطول الأمطار الغزيرة، ولا شك بأنها تستحق الزيارة من أجل قضاء يوم سياحي جميل، حيث أنها تمتاز عن غيرها من القرى الجبلية بذلك الطقس اللطيف، وهوائه العليل الممتع، والذي يميل إلى الاعتدال، ومن يصل إلى هناك ويزورها فسوف يرى منظرها العالي وهي تعتلي سفوح الجبال، وأخذت موقعاً رائعاً على طول مجرى الوادي.