أفئدة مضللة
عبدالله بن حمدان الفارسي
الملامح الجميلة شوهتها تضاريس القلوب البالية، وشاخت أنفاس الزهور النضرة على الأغصان، وتلبدت على وجه الحقيقة غيوم سوداوية المعنى، لم نعد نفقه من الحياة سوى التخاصم، وإبراز العيوب، وهموم تكسو أفئدة، تبحث عن السكينة دون جدوى.
عرائس الزمن تحث الوجع على ظفائرها، لا تشعر بالفرح بقدر شعورها بالوهن الشائك على فستان فرحها، ليالي الزفاف تبكي فيها مزامير الشتات، لا شيء يوحي بالانشراح، نظرات تسرق السلبيات واجتثاث الجمال من مخدعه،لحظة التكوين ألم، وساعة الميلاد بكاء، وموعد الفراق صراع.
نهيق العصافير ليس كتغريد الحمير، التشابه بينهما شاسع، والفوارق بينهما متقاربة، وما يجمع بينهما سوى الألم البارد الذي يُسًكِنْ ويُضمد ما تحت الجرح الغائر، الابتسامة تُبًكي، والبؤس على وجهك ينقذك لأجل تكملة المشوار.
حتى هنا والقلوب لا تأتلف المأوى، ولا تستسيغ أن تبتلع الفرحة، تبحث تحت الأكوام عن شي فُقِد من قبل لحظة الاغتراب، هناك ما بين الشروق والغروب عيون تترقب الضياء المفقود، وقلوب همها عودة لفرح كان موؤدا.
نفوس كسلى وثكلى، تسعى خلف الأوهام، وطئت عقولها وحل الهم والحزن، لا تدرك بأن الحاضر أجمل مما مضى، ولا تعي بأن القادم سوف يكون أبهى وأزهى، الحياة لا تحتاج لفلسفة نائمة على وسادة سطر، ولا دفء في أحضان طرس، هي بحاجة لمروج متفتحة ليس لها حدود، ولا قيود، تزينها محاسن القلوب، وبهاء السريرة، ونظرات تملأ المكان والزمان نورا، وعقول تبهر ما حولها بالتفاؤل والابتهاج.
أين منا تلك المباهج الوهاجة؟ وأين منا تلك المساحات التي تحتضن براءة الوجدان؟ وما تكنُّ من نقاء وبهاء مما يؤنس سراديب البصائر، نعم لما لا نستشعر بالأمل والفرح، فإن السعادة لا تأنس قلبًا به بؤس وحزن؛ فالبحر لا تفتح خزائنه لمن يخاف ارتياده، والنور لا تبصره عين مغلقة.
أكثرهم لا يعقلون، وجمعهم لا يفقهون، وخلف الشتات هم يلهثون، العتمة مأواهم، ولا بالنور هم يسترشدون، الأفئدة ضاقت بما احتوت، والغرس بهتت ملامحه بجفاف عروقه. لماذا هذا الانكسار التشاؤمي؟! لم تعد مألوفة ابتسامة الفرح على ثغر الطفل، ولا وقار الشيب على وجه الزمن، أصبحنا كالذي يستنجد بالرمضاء من وهج اللهب؛ فدعونا نستبشر بالأفضل، ونفتح أبواب السعادة لما هو مقبل وآت.