ومضات من قيادة عدم التدخل
يوسف بن عبيد الكيومي.
مدرب القيادة الإدارية والقيادة التربوية.
ظهر وصف قيادة عدم التدخل لأول مرة كنمط قيادي في عام ١٩٣٩م من قبل كلأ من(لوين وليبت و وايت). وتعتمد قيادة عدم التدخل على وجود القائد الرسمي للمنظمة؛ مع منح المرؤوسين الحرية المطلقة والتامة في اتخاذ أي قرار مرتبط بأداء أعمالهم وإنجازها.
وتعرف قيادة عدم التدخل بأنها؛ “منح المرؤوسين صلاحيات شاملة كاملة لاتخاذ القرارات من حيث الحقوق و السلطة”.
ويأتي إعطاء الصلاحيات كاملة للمرؤوسين لما يتمتعون به من إمكانات عالية تعطي القائد الثقة في فريق عمله؛ مما يساعده على السماح لهم بالعمل والقيام بما يرونه أكثر تناسباً في كل موقف يمرون به.
الهدف الأساسي في هذا النمط هو بناء فريق عمل له القدرة على إدارة نفسه بنفسه دون اللجوء للآخرين من أجل إرشاد أو توجيه أو حتى تدخل القائد؛ مما يمنح المرؤوسين الثقة التامة بتصرفاتهم، حيث يعتقد في نمط القيادة هذا أن المرؤوسين إذا بقوا بمفردهم سوف تكون تصرفاتهم بطرق متنوعة، وتكون ذات فائدة أكبر لهم وللمشروع الذي يعملون من أجله؛ لهذا فدور القائد يختلف هنا اختلافا كليا عن دوره بالأنماط الأخرى، ففي نمط عدم التدخل لا يتخذ القائد أي قرارات مرتبطة بمهام الموظفين وطرق تأديتهم لها، أو حتى بتقسيمات الوقت التي يجب أن يقضونها لإنجاز كل مهمة من مهامهم.
ولهذا يتم الإتفاق بين القائد وأعضاء فريق العمل على هدف رئيسي شامل في أول مرحلة من مراحل العمل، ويمنح المرؤوسين كل الثقة للتصرف بطرق ذات فائدة تساعد على تحقيقه. وهنا يقوم القائد بدور الداعم، ليظهر أكثر استقلالية المرؤوسين مع توفير ما يحتاجونه من أدوات لإيجاد الحلول لأي موقف بشكل مستقل.
وأثناء مراحل عمل الفريق يعتمد أعضاء الفريق على حل كل سؤال لديهم أو أي مساعدة أخرى يحتاجونها عند الضرورة من المرؤوسين من هم دون القائد الأول للمنظمة؛ الأمر الذي يجعلهم يتحملون مسؤوليات أكبر مما اعتادوا عليه.
ولهذا كذلك يعمل القادة في هذا النمط على توفير التدريب والتعليم للمرؤوسين، وكذلك توفير ما يحتاجونه من موارد ضرورية تساعدهم على أداء عملهم بشكل ناجع ومميز.
وبذلك يتقمص القائد هنا دور المعلم والمسهل والميسر لمرؤوسيه، من خلال تخصيص الكثير من موارد المنظمة لتطوير مؤهلات أعضاء الفريق وتحسينها؛ حتى يتمكنوا بأدائهم مواكبة المتغيرات والمستجدات ببيئة العمل.
وحتى يربط القائد ثقته بموظفيه بقيادة عدم التدخل، عليه أن يثق بالمرؤوسين وثوقاً تاماً، مع الحرية الكاملة عند اتخاذ القرارات، وكذلك عند وقوعهم في الأخطاء يقدم القائد للموظف فرصة التعلم الكاملة عند اتخاذ القرارات، وكذلك الحال عند وقوعهم في الأخطاء عليه أن يمنح الموظف فرصة التعلم وتعديل الخطأ الذي وقع فيه؛ حتى تكون الإجراءات التي ستتخذ منهم أكثر عمقاً وملاءمة بما يخدم تحقيق الأهداف الإستراتيجية والتشغيلية للمنظمة.
وهنا يختار قادة عدم التدخل موظفيهم اختيار دقيق جداً و بعناية متقدمة؛ مما يساعدهم على تقليل الأعباء عنهم، لأن جميع المرؤوسين مبدعين، وقادرين على الابتكار والتجديد بما يكفي في أداء مهامهم الوظيفية بشكل شبه خالي من الأخطاء بنسبة كبيرة. وهنا يجب أن يتمتع القائد بالقدرة على تفويض من يرأسهم مع الثقة التامة بإمكانياتهم.
وفي هذا النمط القيادي يعرف المرؤوسين بأنهم خارج العقاب؛ إذا قاموا بخطأ أو عمل لا يتفق مع فكر قائد المنظمة، بل يمنح القائد المرؤوسين الفرص للعمل أكثر وأكثر تطويراً لإبداعاتهم لتقديم أفضل النتائج، حتى وإن قاد ذلك لوجودهم في أخطاء مرات كثيرة بعد التعديلات الأولية.
ومن أهم ما يميز هذا النمط هو زيادة مستوى الرضا الوظيفي لدى المرؤوسين؛ وذلك بسبب تمتعهم باستقلالية أكبر وقت الأداء، فيصير لديهم حماساً لأداء العمل أكثر من المعتاد؛ مما يسهم في زيادة الإنتاج، وبصورة أفضل مما كان يتوقعها قائد المنظمة. وكما يمنح هذا النمط المرؤوسين محاولة الابتكار، في مجال عملهم بعيداً كل البعد من الخوف بعدم النجاح والفشل، الأمر الذي يجعلهم يبدعون ويقدمون أفكار حديثه جديدة، ويحسنون بها أرباح المنظمة.
كما يسمح هذا النمط للقائد التركيز في الأمور الأكثر أهمية؛ بحيث أن الموظفين يقومون بأعمالهم بشكل جيد حتى عندما لا يخضعون للإشراف المباشر من القائد، مما يمنحه تكريس جهوده لمهام أخرى اكثر أهمية، والتي يفضل أن يقضي القائد وقته فيها.
وكما لكل نمط مميزاته كذلك توجد بعض السلبيات؛ فمن سلبيات هذا النمط عدم وجود الهيكل والتوجيه بحيث لا يوجد توضيح واضح؛ مما قد يسهم في بعض الحالات إلى خفض الإنتاج ونقص في فعالية الأداء. ونظراً لوجود رقابة أقل، قد لا يتمكن أعضاء الفريق من تحقيق النتائج المراد تحقيقها.
كما قد يؤدي إلى ظهور جانب من عدم الإتفاق والنزاع وسوء الفهم بين أعضاء الفريق وبعضهم بعضا؛ مما قد يؤثر ويضعف من إنتاجية الفريق وانخفاض واضح في معنويات أعضائه؛ مما قد يؤثر سلباً على المنظمة.
في الختام لا بد من أن يقوم القائد بجمع جميع الملاحظات وتدوينها عن أداء الفريق، ليتمكن من عمل موازنة بين الإيجابيات والسلبيات من استخدامه لهذا النمط؛ حتى يتمكن من اتخاذ قرار رشيد ومناسب لتسيير عمل الفريق ككل في مختلف المراحل الحاضرة والمستقبلية بالمنظمة.