إليكَ صديقي..الجزء الثاني
أحمد الحضرمي
نعم يا صديقي، فما أخبرتكَ به سابقاً ما هو إلا غَيضٌ من فَيض، هل تتخيّل أن نافذة الحقيقة مفتوحة على مصراعيها؟ لا يا صديقي، لا أظن بأن هناك من يُحب فتْحها، وإن كانت هذه النافذة هي المصدر الوحيد للضوء والهواء العليل لهذا العالم، لأن نافذة الحقيقة دائماً ما تلامس الواقع المؤلم، نعم يا صديقي، ومن ذا الذي يرغب في هذه الأيام أن يتحدث عن الواقع؟ بل ما أراه بأن لدينا فئة من البشر يعشقون الأحلام كثيراً، يصوّرونها بأنها إنجازٌ لا مثيل له، فأصبح الجميع في سعادة عارمة يعيشون الحُلم وكأنه واقعٌ محقق، ولكن ما أفرحني بأن إنجازاتهم التي حُقّ لنا وللجميع أن يفخروا بها، هي أنهم غرسوا الفرحة في قلوب البعض، وإن كانت على المدى القريب ليست إلا أضغاث أحلام، فالأحلام جميلةٌ ياصديقي، والأجمل أن نرى ذاك النور يبزغ من بعيد ونحن متسلحون بالصبر، مُحَمَّلُون بالأمل والحُب والسعادة التي طال انتظارها، وعسى أن تكون قريباً.
نعم يا صديقي، فبين الواقع والحلم ليالٍ طويلة، ستمُر علينا حتماً بكل ما تحمله، إن كان في العمر بقية بإذنه تعالى، فمن القصص المضحكة المؤلمة أن تقرأ عن مدير قضى ثلاث سنوات عجاف على كرسيّه وهو لا يعرف أغلب موظفيه، وموظف لا يعرف إلا مقولة “راجعنا الأسبوع القادم”، حفظها الصغير والكبير، أما: ظروفك – عمرك – تعبك فهم غير مسؤولين عنها، فهذا شيء يخصك أنت فقط.
ورحم الله الشاعر الأديب الدكتور غازي القصيبي عندما قال:
“كنت وما أزال أدرك أن التوقيع الذي لا يستغرق من وقت صاحبه سوى ثانية واحدة قد يعطل مصالح الناس عدة أيام”.
أتعلم يا صديقي العزيز: إن ما يهزّ كياني من جهة أخرى أن البعض وليس الجميع ممن أوكل لهم أمانة الإشراف الصحّي على بعض المنشآت في غياب عجيب، فما رأيناه من كوارث صحية وبيئية في القريب يشيب لها الولدان، ويصبح العقل محتاراً كيف يحدث ذلك؟ فما المانع إن كان التفتيش مكثفاً على أغلب المؤسسات بشكل شهري أو أسبوعي؟ أين تكمن المشكلة في ذلك؟
فالأمر أصبح ضرراً وهلاكاً على حياة الآخرين، وكم كنت أرجو في هذا الجانب يا صديقي أن يكون هناك تدوير حقيقي لمثل هذه المهمات والأعمال الضبطية على مستوى الولايات كما هو مطبّق في مؤسسات أخرى، فما فائدة “موظف الضبط” إن كان في بلده وبين أهله وأصدقائه، فلمن الغلبة ستكون برأيك عندما تصطدم قوة العلاقات بأمانة العمل؟ أعتذر منك يا صديقي، أعلم أنك لست معي في بعض وجهات النظر، فكأني أرى النار في عَينيكَ تَشْتَعِلُ، ولكن لا تخَف، الأمر صحّيّ، والنقد الإيجابي دائماً يساهم بتطوير العمل على كل المستويات، بعكس النقد الهادم، ونعوذ بالله من نقدٍ لا يأتِ بخير، وللحديث بقية بإذنه تعالى.