2024
Adsense
مقالات صحفية

من غداء خاص يعجبني، إلى جنازة تؤلمني

د. محمد بن أحمد البرواني
‏alnigim@gmail.com

قال خالي عندما وصلت لمنزله بالمضيبي قادماً من إبراء: “اليوم هذا الغداء خاص بك”، وكعادته يغلب في حديثه النكتة والبشاشة والبساطة التي يتلقاك بها دوماً بفرحٍ يملأ قلبه ويُظهر بنانه، فتبسّمك في وجه أخيك صدقة، فكيف في وجه إبن من أبنائه. وقضينا اليوم في أجمل حديث وتوادعنا على أمل اللقاء بعد أربعة أيام، لنأكل سويا بعد صلاة العشاء في اليوم الأول من العيد من اللحم المقلي بين لحم جمل وغنم مع أبنائه الكرام ومن حضر، فلم يك ذلك اليوم كما أردنا، وما أن انتهى موعد الغداء إلا ونقل خالي إلى المستشفى لأكون بجانبه حتى إنتهاء الزيارة التي أمّل فيها الأماني ووضع الرغبات بحكمته المعهودة كما كان أبوه أحمد الحكيم، قهو معروف بحكمته ورجاحة عقله وأناة نفسه ورباطة جأشه وقوة صبره.

كما كانت عتالة بصبرها تمخر الأرض جيئة وذهاب مع الحضار من محوت إلى الردة عند بداية الصيف آيبة دون نداء؛ لا يعرف مجيئها إلا وهي تفتح باب بيت الجديد برأسها؛ لتطل حتى ترى معلنة وصولها إلى قصر عليه تحية وسلامًا، نشرت عليه جمالها الأيام، فيه العجائب والغرائب نوعت فتحيرت في نعتها الأقلام.

هذا مقام راشد بن سليمان البرواني الذي لا تزال صوره تتراءى في وجداني، ومخاطباته اللطيفة لابنتيه وهو في الغربة إلى ابنتي الكريمتين فاطمة وعائشة حشاشة قلبي وعضدي وساعدي اليمين؛ فليس هناك أمضى من القدر أن يطرق بابه، وليس هناك أوجع من فقدانه. تركته ناصحاً مبتسماً على الرغم من آلامه ورجواه بلهفة وشوق لمولاه أن يشفيه، على الرغم من إحساسه برحيله وتوصيته لأبنائه منتظراً أمر الله موقنا به، إلى أن رنّ هاتفي في اليوم الثاني من عيد الأضحى معلناً مماته وفقده؛ فما لنا إلا الصبر والسلوان والدعاء والاحتساب لله الرحمن الرحيم.

انطفئت هذه الشمعة المتقدة التي عُرفت بمودتها وصونها للصداقة التي أوفى بها أصحابه في حضورهم لمجلس العزاء والمواساة من أماكن بعيدة، وتجشم بعضهم الطريق مع عناء المرض امتداداً لتقديرهم له في حياته؛ وفاءً لوصاله المستمر لهم سنويا، فهو نقي السريرة فرحا سعيدا باللقاء، كما سَعُدَ كثيرا بوصول سيارته “الدوج” من قطر في بداية السبعينات، والتي اشتراها والده له وهو في الثالثة عشرة سنة من عمره، أحضرها له سعيد بن سالم الحبسي؛ متجشمًا صعوبة الطريق غير المعبّد آنذاك؛ وهكذا الشدائد تتوالى وتتنوع من شدة فرح إلى حزن، ولا قول إلا ( إنا لله و إنا إليه راجعون)، وقول أبو علي الأنباري:

إذا ما ألمت شدّةً فاصطبر لها
فخيرُ سلاحِ المرءُ في الشدّة الصبرُ.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights