“الواتساب” سينسينا العلوم والأخبار، والسؤال عن الأحوال
خليفه بن سليمان المياحي
ذهبت قبل يومين لواحدة من المؤسسات الصحية في البلاد، ودخلت قاعة انتظار الرجال حتى يصل دورنا، وقد سبقني للقاعة عدد من الشباب وهم متقاربين في السن كما يظهر من ملامح وجهوهم، وأثناء دخولي إليهم رأيتهم منهمكين في مطالعة هواتفهم النقالة وسلمت عليهم وردوا علي السلام، ثم جلست بجانبهم، وتعمدت أن أضع جهاز هاتفي على أمل أن يلتفت إليّ أحدهم ويحادثني ويسألني عن العلوم والأخبار كما هي عادة العُمانيين أينما وجدوا وحيثما حلو، لكن للأسف لم يحدث ذلك مطلقا! وبقيت في حالة من الاستغراب وأقول في نفسي؛ لو لم يكن هذا الجهاز موجودًا لضطروا لمحادثتي وسؤالي عن الحال، ومن أين أتيت، ولحاولوا الاطمئنان على من اصطحبته معي للعلاج كما هي العادة المعروفة، ولكن أبدًا لم يلتفتوا إليّ، وقد غادرت المكان بعد ساعة كاملة ولا أظنهم أحسوا بوجودي ولا بمغادرتي!؛ لهذا قلت في العنوان أنَّ “الواتساب” سينسينا العلوم والأخبار والسؤال عن الأحوال.
لقد كنا في الماضي عندما نلتقي بأي أحد في أي محفل نتبادر بسؤال بعضنا البعض عن الأحوال، ثم نتساءل عن “العلوم والاخبار “؛ لكنها للأسف بدأت هذه العادة تتلاشى، والخوف مع مرور الزمان أن تنقرض إن لم يتفطن جيل اليوم إلى ذلك ويتداركوا المستقبل.
إنَّ اللقاءات في الماضي في أي مكان وأي محفل ولأيّ مناسبة كانت هي سبب التعارف بين الناس، وسبب لتقوية الصلات والدعوة لتبادل الزيارات، وأنني أأسف جدًا لضعف العلاقات الفردية بين الأفراد، ولفتور المودة بين أبناء المجتمع؛ ولهذا ومن منبر [ صحيفة النبأ الالكترونية ] أدعو الجميع لعدم التهاون بهذه النقطة الحساسة، وأن رآها بعضنا أنها سهلة وربما لا تصل إلى حد الكتابة عنها، وأنها بسيطة؛ لكن لنتذكر أنه مع مرور الأيام ستقل كل العادات الجميلة القديمة المتوارثة، وليس ذلك مقتصرًا فقط فيما أوردته في سياق الحديث.
وعودة إلى قاعة الانتظار فانه لم يبادر أحد حتى النظر أليّ من هو جالس بجانبه، فضلًا من أن يحاول أن يتعرف عليه أو يتبادل معه أطراف الحديث، فقد أنصبّ اهتمام كل واحد منهم للرد على رسائل “الواتساب” التي كنت أسمع تنوع نغماتها من جهاز لآخر، وإن قال لي أحد
( لم أنت لم تبدأ ولم تبادر)؛ أقول له: “لقد بادرت من أول وهلة، وبدأت أحادث من حولي، وكان يرد على مضض!”، إذ كان منهمكًا في الرد على “الواتساب” فقط، ولم ينظر إلى من حوله.
لهذا أنني أدعو الجميع من منطلق الحب الحقيقي للحفاظ على العادات والتقاليد التي توارثناها عن أب وجد أن نعيد النظر في مثل هذه الأمور ونعيرها اهتمامًا، ونوعي ونرشد إليها أبناءنا، ولا ننكر أهمية جهاز الهاتف ولا وسائل التواصل الاجتماعي بكل أنواعها؛ إذ في وقتنا الحاضر لا أحد يستغني عنها، لكن يجب أن نكون مسيطرين على الوضع ونأخذ من تلك التقنيات ما يفيدنا وفي أوقات معينة، وأن لا تلهينا عن بعضنا بعضًا، كما يجب علينا أن لا نسمح لها أن تكون سببًا في طمس العادات الجميلة التي كنا نعيشها منذ زمن بعيد.
إن السؤال عن الأحوال والأخبار والعلوم لها أثر طيب ووقع جميل على النفس، والتجاهل والالتفات إلى الجهاز في ظل وجود عدد من الناس يسبب الفتور في العلاقات الاجتماعية بين الناس؛ فنحن في بلد عريق تمسك بالعادات الصحيحة الطيبة منذ الأزل، ونأمل بأن نظل بهذا المستوى ونحن بأيدينا أن نغير كل شيء، وبإرادتنا نحافظ على كل شيء.