مصر والخروج من قولبة صنع السياسات
ميادة شكري
بدى واضحاً توجّه مصر نحو تمكين و إشراك المجتمع المدنيّ في صنع السياسات لكثيرٍ من القضايا الشائكة المطروحة على الساحة المصرية، وكذلك القضايا الداخلية المتأثرة بالأحداث العالمية، كتلك المرتبطة بالتضخم العالمي والأزمات الاقتصادية العالمية.
لقد اتجهت مصر بشكل غير مسبوق لعملية تحدّي الأفكار التقليدية، والبحث عن طُرقٍ جديدة وأكثر فعالية لصنع ورسم سياساتها، من خلال إشراك المجتمع المدنيّ من ذوي الخبرة والأكاديميين والباحثين والأحزاب السياسية، دون إقصاءٍ أو تهميش لفئة دون الأخرى، بما في ذلك إفساح المجال للشباب الفاعل في المجتمع المدنيّ للمشاركة في صنع السياسات؛ بما يستهدف توليد حلول أكثر إبداعاً وفعالية للقضايا المطروحة، ورؤية حلول مستحدَثة من شبابٍ أكثر انفتاحاً على عالم الثورة التكنولوجيّة الذي نحياه، بما يعزز بناء جسور الثقة والتعاون بين صانعي السياسات والمواطن، وخلْق عالمٍ أكثر إنصافاً في رصد القضايا، وكذلك حلولها من مختلف الفئات والتوجهات للمواطنين، بعيداً عن قولبة صُنع السياسات داخل المكاتب وقاعات الاجتماعات الرسمية.
آليات الخروج من القولبة:
جلسات الحوار الوطني،
ما أكّد إصرار القيادة المصرية على ضرورة إشراك المجتمع المدني بشكل تطبيقي، هو توفير العديد من آليات إشراك المجتمع المدني في رسم السياسات والمشاركة بشكلٍ رسميّ ومعلَن ومسجَّل للأفكار والتوصيات والاقتراحات المطروحة من قِبل المشاركين، حيث أتاحت الحكومة المصرية آلية “جلسات الحوار الوطني” وهي جلسات تُعقد على مدار الأسبوع بجدولٍ محدّدٍ للقضايا محلّ النقاش بلجانٍ مختصة لكافة التخصصات، كلجنة التعليم، ولجنة الصحة، واللجنة الاجتماعية وغيرها من اللجان التي يندرج تحتها مناقشة كثير من قضايا المجتمع المصري، بهدف توليد حلول مستحدَثة، والاطّلاع على كافة الآراء المختلفة حولها، وكيفية معالجتها، بما يُسهم في صنع القرار الصائب بشأنها، حيث جاء أحدث ما نوقش خلال هذه الجلسات الوطنية، من خلال لجنة التعليم جلسة مناقشة “تعديلات قانون إنشاء المجلس الوطني الأعلى للتعليم والتدريب” والتي أسفرت عن العديد من التوصيات الجادّة لإعادة بلوَرة هذا القانون بما يتّسق مع فكر خبراء التعليم والشباب الباحثين المشاركين في ذات الشأن، كذلك ناقشت اللجنة الاجتماعية مؤخراً أهمّ القضايا التي تؤثّر على الأسرة بشكل عام من قوانين الطلاق والنفقة والطاعة، بما يضمن استقرار الحياة الأسرية بشكل كريم، حيث تفردت هذه الجلسة بإشراك قامات دينية من الأزهر الشريف للاطلاع على رأي الدين، بجانب رأي خبراء الأسرة والقانونيين ذوي الصلة بالقضايا محل النقاش، بجانب العديد من الجلسات الأخرى والتي ساهمت بالفعل في إعادة النظر ببعض التشريعات والسياسات للعديد من القضايا.
مراكز الفكر:
كما فعّلت الدولة المصرية عمل مراكز الفكر بشكل أكثر انفتاحاً على البيئة الجامعية، بهدف إشراك طلاب الجامعات الخاصة والحكومية دون استثناء، وكذلك الأكاديميين والشباب الباحثين، من خلال إتاحة ورش العمل حول كيفية مشاركة صانع السياسات ودعمه في اتخاذ القرار بشكل علمي عن طريق تعلّم كيفية كتابة أوراق السياسات، بالإضافة لإطلاق المسابقات العلمية والتي تستهدف مشاركة الشباب في تقديم مقترحات لحلول سياسية لكثير من القضايا المطروحة بالفعل على الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولعلّ أبرز مراكز الفكر المصرية التي انطلقت بقوة في هذا المنوال “مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء المصري”، والذي عمل على تأسيس منتدى السياسات العامة، ليكون بمثابة بوابة وُلوجٍ لطلاب الجامعات إلى مجلس الوزراء مباشرةً، والتقارب بشكلٍ فعليّ من مكاتب صانعي القرار، من خلال طرح العديد من المبادرات، والتي لم تستهدف فقط توليد الأفكار حول القضايا المختلفة، بل تستهدف أيضاً تدريب شباب الجامعات، وإثقال قدراتهم على إمكانية خلق أفكار قابلة للتنفيذ العملي، وكيفية صياغتها بشكل علمي، ولعلّ من أبرز مُخرَجات المنتدى التي لاقت استجابةً فوريةً من صانعي القرار، هي إحدى توصيات ورقة السياسات الفائزة بالمركز الأول لفريق شباب جامعة القاهرة، وباكورة مبادرات المنتدى:
مبادرة “شبابنا يدعم قرارنا” حيث حملت الورقة عنوان: تعزيز الصادرات المصرية لقارة أفريقيا، فيما تم الاستجابة لتوصية الورقة بإنشاء المجلس الأعلى للتصدير، كما أطلق المنتدى مؤخراً أحدث مبادراته بعنوان “بنفكر لبلادنا” بمشاركة منظمة اليونيسيف، والتي تستهدف إشراك الشباب الباحثين وطلاب الجامعات في خلق رؤىً لتقديم 50 فكرة لتعزيز تنافسية الاقتصاد المصري، بعد إخضاعهم لدورات تدريبية وورش عمل تحت إشراف خبراء وأكاديميين، بهدف تعزيز قدراتهم البحثية والعلمية، للوصول إلى مخرجات قابلة للتنفيذ على أرض الواقع.
ختاماً، أصبح من الضروري على كل دول العالم فتح المكاتب المغلقة، وإخراج الملفات المهملة من داخل بوتقة البيروقراطية، استعداداً لعالَمٍ يسير بوتيرة أسرع مما ينبغي، ويواجه العديد من القضايا العالمية، والتي تؤثر بشكلٍ ملحوظ في كل الدول، ما جعل العالم يصطفّ بين دول متسبّبة ومتضررة دون عدالة في توزيع الضرر لكثير من الأزمات العالمية، مثل أزمة الجائحات، والأزمة الروسية الأوكرانية، وأزمة التغيرات المناخية، وأزمة التضخم العالمي وغيرها من الأزمات التي تستوجب سرعة التحرك للتصدي والمواجهة، وتخفيف تداعياتها باستحداث أفكار متطورة وتحقيق الاستفادة القصوى من كل ذي خبرة، ليس فقط للنهوض بالدول بشكل منفرد، بل لإنقاذ العالم أجمع من التهديدات والتحديات العالمية، لأننا ببساطة نحيا في نظام عالمي واحد، يؤثر فيه كل طرف بشكلٍ ما على الطرف الآخر.